يدخل ثلاثة أطفال عامهم الثاني خلف القضبان بسبب موقف إنساني نبيل عبّروا عنه ببراءة الطفولة، حين أعلنوا تضامنهم مع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة ورفضهم لمشاهد الإبادة اليومية بحق المدنيين.

من بين هؤلاء، يبرز اسم الطالب أحمد صلاح عويس محمود (17 عامًا)، الذي تحوّلت قصته إلى رمز لمعاناة جيلٍ كامل يُعاقَب على التعبير، ويُحرم من التعليم والحرية لمجرد أنه حمل في قلبه تعاطفًا مع أطفال مثله في غزة.
 

عامان من الحبس دون محاكمة
تعود بداية القصة إلى فجر الأول من مايو 2024، حين اقتحمت قوة أمنية منزل أحمد في مركز سنورس بمحافظة الفيوم، واعتقلته بعنف وهو في الخامسة عشرة من عمره، لتبدأ رحلة اختفاء قسري وتعذيب امتدت قرابة شهرين.
وخلال هذه الفترة، تعرّض أحمد وزميلاه أسامة هشام فرج وعبد الرحمن رجب أمين عبد القوي لانتهاكات جسيمة داخل أحد مقار الأمن الوطني، شملت الضرب المبرح، والصدمات الكهربائية، والإهانة اللفظية، بهدف انتزاع اعترافات حول نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي 28 يونيو 2024، ظهر الأطفال الثلاثة أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، التي قررت حبسهم احتياطيًا على ذمة القضية رقم 2806 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، بتهمٍ فضفاضة من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة عن حرب غزة.
ومنذ ذلك اليوم، يقبع الأطفال في حجز مركز شرطة سنورس في ظروف قاسية وغير إنسانية، دون أن تُقدَّم ضدهم لائحة اتهام واضحة أو تُحال قضيتهم إلى محكمة مختصة.
 

انتهاك صارخ للطفولة والقانون
يؤكد حقوقيون أن استمرار حبس هؤلاء الأطفال للعام الثاني على التوالي يُعد انتهاكًا فاضحًا للقوانين المصرية والدولية على حدّ سواء.
فالمادة (80) من الدستور تلزم الدولة بحماية الأطفال من العنف والاستغلال والحرمان من التعليم، كما تنص اتفاقية حقوق الطفل – التي وقّعت عليها مصر – على عدم جواز احتجاز القُصَّر إلا كإجراء استثنائي ولأقصر مدة ممكنة.
لكن الواقع يروي قصة مختلفة تمامًا.
فوفقًا لشهادات الأسر والمنظمات الحقوقية، يعاني الأطفال الثلاثة من تدهور صحي ونفسي خطير، إذ أصيب أحمد صلاح بضعفٍ شديد في النظر والتهابات متكررة في اليدين والغضاريف، نتيجة سوء التهوية والرعاية الطبية داخل محبسه.
كما تعيش أسرته مأساة مزدوجة بين الخوف على مصيره والعجز عن تحمل نفقات الزيارات والسفر المنتظمة.
 

شهادات صادمة من الأسرة والمنظمات الحقوقية
تلقت منظمة عدالة لحقوق الإنسان استغاثة عاجلة من أسرة الطفل أحمد صلاح، أكدت فيها أن نجلها يُعاني من تدهورٍ حاد في النظر وآلامٍ بالغضروف نتيجة التعذيب والإهمال الطبي، فضلًا عن حالته النفسية الصعبة بعد أكثر من 18 شهرًا من الحبس دون محاكمة.
وقالت والدته إن أحمد "لم يعد قادرًا على المذاكرة أو النوم أو حتى تناول الطعام بشكل طبيعي"، مؤكدة أن الأسرة تلقت وعودًا متكررة بإخلاء سبيله لكنها لم تُنفّذ حتى الآن.

من جانبها، رصدت منظمة جوار الحقوقية استمرار احتجاز الطالب أحمد صلاح منذ أكثر من عامٍ ونصف، مؤكدة أنه تعرّض للاختفاء القسري لمدة 53 يومًا داخل مقار الأمن الوطني بالفيوم قبل ظهوره في النيابة، مشيرة إلى أن القضية تضم أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم 17 عامًا تم اتهامهم بالانضمام إلى جماعة محظورة فقط لأنهم شاركوا في مجموعة على تطبيق "تليجرام" للتضامن مع غزة.

 

 

معاناة أسرٍ مسحوقة بين الفقر والانتظار
تعيش أسر الأطفال الثلاثة أوضاعًا مأساوية في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة. فوالدة أحمد تعول أبناءها الصغار وحدها، إلى جانب ابنها الأكبر من ذوي الإعاقة الذي كان أحمد يساعدها في رعايته قبل اعتقاله.
تقول الأم: "أحمد كان متفوقًا ومحبوبًا بين زملائه، حلمه أن يصبح مهندسًا، لكنهم سرقوا منه عامين من عمره بلا سبب... فقط لأنه كتب منشورًا يتضامن فيه مع أطفال غزة."

أما أسرتا أسامة وعبد الرحمن، فتعانيان المصير ذاته، إذ يعيش الأبوان في قلق دائم على أبنائهما المحتجزين في أماكن غير مخصصة للأطفال، دون رعاية أو إشراف تربوي، في مخالفة صريحة لقانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته.
 

دعوات عاجلة للإفراج وإنقاذ المستقبل
طالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان النائب العام المستشار محمد شوقي بالتدخل العاجل لإخلاء سبيل الأطفال الثلاثة، وإعادتهم إلى مدارسهم وأسرهم، مع فتح تحقيق شفاف في وقائع التعذيب وسوء المعاملة التي تعرضوا لها داخل مقار الأمن الوطني ومركز الاحتجاز.
كما دعت الشبكة إلى مراجعة سياسات الحبس الاحتياطي بحق القُصَّر، وضمان خضوعهم لإشراف قضائي وتعليمي ونفسي، بما يتوافق مع التزامات مصر الدولية في مجال حماية الطفولة.