يقدم الدكتور عمر عبيد حسنة رؤية نقدية عميقة لواقع التدين في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، كاشفًا عن تحولات خطيرة أصابت روح الدين، وحولته من مشروع حضاري شامل إلى طقوس شكلية تفتقد إلى الغاية والمضمون.



ويرى المؤلف، في مقدمة كتاب "الإسلام وهموم الناس"، أن أخطر ما يواجه الأمة اليوم ليس الإلحاد أو العداء الصريح للدين، بل التدين الزائف الذي يُفرغ الإسلام من محتواه الجهادي والإصلاحي، ويحوّله إلى مجرد طقوس فردية لا تمتّ بصلة لمشكلات الناس وهمومهم.

 

عبادة بلا وعي.. وانفصام بين الدين والحياة

 

يبدأ الدكتور حسنة بتحليل ظاهرة التدين الشكلي التي انتشرت بين المسلمين، مستشهدًا بقول العالم المجاهد عبد الله بن المبارك الذي هاجم في أبياته “عبّاد الحرمين” الذين يكتفون بالدموع والزهد بينما يخوض المجاهدون ميادين القتال دفاعًا عن الأمة.


يشير المؤلف إلى أن هذا الانفصال بين العبادة وحكمتها هو أول مظاهر الانحراف، حيث تحولت العبادة إلى مظهر من مظاهر “اللعب والعبث”، تُمارس دون وعي بمقاصدها، ودون أثر حقيقي في النفس والمجتمع. هذا النمط من التدين – كما يصفه – هو تدين العزلة والخنوع الذي يرضى بالذل ويبتعد عن فريضة الجهاد والإصلاح، مخالفًا لروح الآيات القرآنية التي دعت إلى النهوض والمجاهدة في سبيل الله.

 

العلماء بين الحق والسلطان

 

يؤكد المؤلف أن هذا اللون من التدين لا ينشأ من فراغ، بل ترعاه الأنظمة الظالمة وتدعمه فئة من علماء السوء الذين يبررون الاستبداد ويُقدّمون الطاعة العمياء للحاكم باسم الدين. هؤلاء – بحسب وصفه – يزوّرون وعي الأمة، ويقمعون صوت العلماء العاملين الذين يحملون رسالة الإصلاح الشرعي والاجتماعي. وهكذا يتحول الدين إلى أداة لتسكين الشعوب بدلاً من تحريكها، في ظل خطاب ديني منزوع الفاعلية.

 

قراءة علمانية للإسلام من الداخل

 

يرى الدكتور حسنة أن الخطر الأكبر اليوم هو العلمانية المتخفية بثوب التدين. فبعد أن كانت العلمانية في الماضي وافدة من الخارج، أصبحت الآن تُزرع داخل الجسد الإسلامي نفسه، على يد مثقفين و"فقهاء مستنيرين" يحاولون قراءة الإسلام بأبجدية علمانية. هؤلاء، كما يقول، يسعون إلى حصر الدين في الشعائر الفردية وإبعاده عن مجالات الحكم والسياسة والمجتمع.


ويستدل على ذلك بإساءة استخدام بعض النصوص النبوية، مثل حديث “أنتم أعلم بأمر دنياكم”، لتبرير الفصل بين الدين وشؤون الحياة العامة، ولإلغاء القدوة النبوية في مجالات القيادة والإدارة.

 

تحييد الدين وصناعة تدين مزيّف

 

يعتبر الكاتب أن فشل محاولات إلغاء الدين قاد إلى مرحلة جديدة: صناعة تدين بديل يخدر الناس ويمنحهم شعورًا زائفًا بالاطمئنان، دون أن يغير من واقعهم شيئًا. إنه “تدين بلا تبعة”، لا يقاوم الظلم ولا ينهض بالأمة، بل يكرّس الركود والرضا بالواقع.


ويربط حسنة بين هذا الاتجاه وبين تحوّل الطروحات العلمانية من الدعوة إلى إلغاء الدين، إلى السعي لتحييده وجعله شأنًا شخصيًا، منزوع الأثر الاجتماعي والسياسي.

 

الفكر الإسلامي بين الفلسفة والواقع

 

ينتقد المؤلف أيضًا ما يسميه البدع الفكرية الحديثة التي تحاول إدخال العقل المسلم في دهاليز الفلسفة والمناهج الغربية، تحت شعار “إصلاح الفكر الإسلامي”. ويرى أن هذا المسار هو في حقيقته إفساد للفكر وتشويش على العقيدة، لأنه يبعد المسلم عن قضايا أمته الواقعية، ويفصله عن ضوابط الوحي والمنهج الشرعي.

 

ويخلص الدكتور عمر عبيد حسنة إلى أن أخطر ما تواجهه الأمة اليوم ليس ضعف التدين، بل انحراف مفهوم التدين ذاته، حين يتحول إلى غطاء للركود والاستسلام بدلاً من أن يكون قوة دافعة للتغيير. فالإسلام – كما يؤكد – دين حركة وعمل وجهاد، لا دين عزلة وخنوع. والعودة إلى جوهره الأصيل هي الطريق الوحيد لاستعادة الأمة فاعليتها ورسالتها الحضارية.