في أعقاب حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي أجمع قطاع واسع من المصريين على أنه كان "ضعيفاً ومخيباً للتوقعات"، جاءت تغريدة الدكتور مراد علي لتلخص حالة السخط العام وتطرح تساؤلاً جوهرياً حول مغزى إشادة السيدة انتصار السيسي بالحفل زوجة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.

 

فبينما كانت الانتقادات تتوالى مشيرة إلى ضعف الإخراج الفني مقارنة بحفل المومياوات الملكية المهيب، اختارت قرينة قائد الانقلاب أن تسبح عكس التيار، مشيدة بعمل اعتبره الكثيرون لا يليق بمكانة مصر وتاريخها. هذا التناقض الصارخ دفع الدكتور مراد علي إلى التساؤل: "فما سر هذا الإصرار؟ هل هو نوع من المجاملة لشخصيات معينة تولّت التنظيم والإشراف؟ أم أنه رسالةٌ مبطّنة للشعب المصري بأن رأيه غير مؤثر؟".

 

إصرار على الإشادة: مجاملة أم تجاهل متعمد؟

 

طرح الدكتور مراد علي فرضيتين لتفسير إصرار السيدة انتصار السيسي على الثناء على الحفل رغم الانتقادات. الفرضية الأولى هي "المجاملة السياسية" للقائمين على الحفل، وهو تفسير قد يبدو منطقياً في سياق حرص الدولة على دعم كوادرها وتجنب الاعتراف بفشل أي مشروع تتبناه، خاصة أمام الحضور الدولي. فمنظمو الحفل، ومنهم مهندس الديكور محمد عطية، هم جزء من الدائرة التي نفذت فعاليات سابقة حظيت بالنجاح، مما قد يجعل من الصعب توجيه نقد رسمي لهم.

 

لكن الدكتور علي يميل بوضوح نحو الفرضية الثانية، وهي أن الإشادة تمثل "رسالة مبطنة للشعب المصري بأن رأيه غير مؤثر". هذا التفسير يكتسب وجاهته من حقيقة أن الانتقادات لم تكن هامشية، بل كانت شبه إجماع شعبي من متخصصين وعامة الناس الذين شعروا بخيبة أمل عميقة.

 

وفي هذا السياق، يصبح التصريح الرسمي بالإعجاب بالحفل بمثابة تحدٍ للرأي العام، وتأكيد على أن تقييم السلطة هو المعتمد والنهائي، وأن آراء "الناس" لا قيمة لها مهما بدت "واضحة وجماعية".

 

تكريس القطيعة: السلطة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر

 

يذهب تحليل الدكتور مراد علي إلى ما هو أبعد من مجرد نقد حدث عابر، ليعتبر أن "إشادة كهذه، في وجه انتقادٍ شعبي واسع، تُكرّس القطيعة بين النخبة الحاكمة والمجتمع".

 

فبدلاً من أن تكون مثل هذه الفعاليات الكبرى فرصة لتوحيد الصفوف وبناء جسور الثقة، تحولت إلى مناسبة لتأكيد الانفصال التام بين رؤية السلطة ورؤية الشعب. تصريحات السيدة انتصار السيسي، من هذا المنظور، لم تعد تهدف إلى "بناء الثقة"، بل إلى ترسيخ "ثقافة الرضا الإجباري"، حيث يُطلب من المواطنين قبول الرواية الرسمية والتصفيق لها "حتى وإن تهاوت الحقيقة أمام أعين الجميع".

 

هذا الموقف يعكس نمطاً سياسياً أوسع، حيث لا يُنظر إلى النقد على أنه فرصة للتصويب والتحسين، بل كنوع من التحدي الذي يجب مواجهته بإنكار وتجاهل.

 

وقد انتقد الدكتور مراد علي في سياقات أخرى الإسراف في الاحتفالية نفسها، موضحاً أن النقد ليس موجهاً لفكرة المتحف الحضارية، بل لأسلوب الإدارة الذي يتجاهل الأولويات الاقتصادية والآراء الشعبية.

 

استغباء الشعب أم تهميش كامل؟

 

في ضوء تحليل الدكتور مراد علي، فإن السؤال المطروح في خلفية المشهد ليس مجرد استخفاف بالرأي العام، بل هو سياسة ممنهجة لتهميشه بالكامل. عندما تتعارض الحقيقة الملموسة (ضعف مستوى الحفل) مع الرواية الرسمية (إشادة وثناء)، وتصر السلطة على روايتها، فهي لا تستغبي الشعب بقدر ما تؤكد له أنه أصبح على الهامش، خارج دائرة التأثير والاعتبار.

 

 

إنها رسالة واضحة بأن السلطة ترسم الواقع الذي تراه مناسباً، وعلى الجميع أن يتماهى معه أو يصمت. إصرار السيدة انتصار السيسي على موقفها لا يمكن فهمه، إذن، إلا كجزء من استراتيجية أوسع لفرض السردية الرسمية كحقيقة مطلقة، مما يعمق الشعور بالاغتراب لدى المواطن الذي يرى رأيه وحكمه على الأمور يتلاشى أمام إرادة سلطوية لا تقبل النقاش أو المراجعة.