في مساء السادس من نوفمبر عام 2022، لم يكن المواطن أحمد محمد عبد الحميد عرابي، البالغ من العمر أربعين عامًا وأحد المشاركين في ثورة الخامس والعشرين من يناير، يعلم أن لحظات قليلة ستفصل بين حياته الطبيعية وبداية مأساة إنسانية جديدة عنوانها “الاعتقال الانتقامي”.
 

اعتقال بلا سبب.. والذنب “شقيقه”
ففي ذلك اليوم، داهمت قوة أمنية تابعة لجهاز الأمن الوطني منزل أحمد في منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، بقيادة الضابط المعروف حركيًا باسم “عمرو المهدي”. لم يكن بحوزتهم إذن من النيابة أو أي مسوغ قانوني، اعتُدي عليه بالضرب والإهانة أمام والدته وزوجته وطفلته الصغيرة، ثم اقتيد بعنف إلى جهة مجهولة.

جاء هذا الاعتقال، وفقًا لما وثقته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، كإجراء انتقامي ضد شقيقه الأصغر إسلام عرابي، الذي رفض التعاون مع جهاز الأمن الوطني كمخبر أمني، بعدما تلقى تهديدًا صريحًا من أحد الضباط بأنه “لن يرى الشمس مجددًا” إن لم يخضع للأوامر. اختار إسلام مغادرة البلاد حفاظًا على حياته، لتبدأ بعدها سلسلة من الملاحقات الأمنية ضد أسرته، كان أولها اعتقال شقيقه أحمد.
 

اختفاء قسري وتعذيب في “فيلا شبرا”
عقب القبض عليه، ظل أحمد مختفيًا قسريًا لمدة 14 يومًا داخل مقر غير رسمي تابع للأمن الوطني يُعرف باسم “فيلا شبرا”، حيث وثّقت منظمات حقوقية عديدة احتجاز عشرات النشطاء فيه بعيدًا عن أعين القضاء.
وخلال تلك الفترة، أنكرت وزارة الداخلية وجوده لديها، رغم شهادات الجيران التي أكدت واقعة المداهمة والاعتقال.

وفي 20 نوفمبر 2022، ظهر أحمد للمرة الأولى أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي دوّنت تاريخ ضبط مزيفًا هو 19 نوفمبر، أي بعد الواقعة الحقيقية بأسبوعين كاملين.
ووجّهت له النيابة اتهامات فضفاضة ومتكررة في القضايا السياسية، هي: الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأُدرج اسمه على ذمة القضية رقم 2094 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، قبل أن يُرحّل إلى سجن بدر 1.
 

انتهاكات متكررة داخل السجون
منذ لحظة ترحيله، تعرض أحمد لسلسلة طويلة من الانتهاكات داخل سجون بدر 1 وبدر 3، شملت الضرب المبرح والإهانة والحرمان من الزيارة والرعاية الصحية.
وفي عام 2023، تعرّض لاعتداء جسدي عنيف على يد ضباط السجن، أعقبه قرار بنقله تعسفيًا إلى سجن بدر 3، وهو ما وصفته الشبكة الحقوقية بأنه “تغريب عقابي”.

وفي رسائل مسربة من داخل السجن، ذكر أحمد أنه تلقى دعمًا إنسانيًا من بعض المعتقلين السياسيين، أبرزهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد البلتاجي، اللذان ساعداه في تلقي علاج أولي بعد إصاباته الناتجة عن التعذيب.
ورغم تقديم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بلاغًا رسميًا إلى النائب العام حول ما جرى، إلا أنه لم يصدر أي رد أو تحرك قضائي حتى اليوم.
 

ثلاث سنوات من الحبس دون محاكمة
بحلول نوفمبر 2025، يكون أحمد عرابي قد أمضى ثلاث سنوات كاملة رهن الحبس الاحتياطي، متجاوزًا الحد الأقصى الذي نصت عليه المادة (143) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بعامين كحد أقصى.

ورغم ذلك، لم يُصدر أي قرار بإخلاء سبيله أو إحالته إلى المحاكمة، مما يجعل استمرار حبسه انتهاكًا صريحًا للدستور وللاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

“هو أنا محبوس ليه؟ وجريمتي إيه؟”
تلك العبارة، التي ظلّ يردّدها أحمد في جلسات تجديد حبسه، تحولت إلى صرخة رمزية تعبّر عن حال مئات المحتجزين السياسيين الذين يواجهون المصير ذاته دون محاكمة أو اتهام واضح.
 

سيرة من النضال والثمن غالٍ
أحمد عرابي ليس رقمًا في قوائم المعتقلين، بل وجه من وجوه ثورة يناير التي حلمت بالحرية والعدالة الاجتماعية.
فقد أصيب بثلاث طلقات خرطوش في أحداث محمد محمود عام 2011، أدت إلى فقدان إحدى عينيه.
وفي عام 2014، اعتُقل ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بـ “معتقلي الاتحادية”، وصدر بحقه حكم بالسجن ثلاث سنوات ومثلها مراقبة، قبل أن يُخفف الحكم في الاستئناف إلى سنتين سجن وسنتين مراقبة، وأُفرج عنه بعد 14 شهرًا بعفو رئاسي.
ثم أعيد اعتقاله مجددًا في أكتوبر 2016، واختفى قسريًا 48 يومًا قبل أن يُفرج عنه بعد تسعة أشهر من الاحتجاز.

تاريخ أحمد حافل بالشواهد على النضال السلمي، لكن الثمن كان فادحًا — من الإصابة الدائمة إلى فقدان الحرية، ثم حرمان أسرته من معيلها الوحيد.