في خطوة تعكس تصاعد الاحتجاجات المهنية في الوسط الصحفي، تقدم أكثر من 70 صحفيًا من جريدة "البوابة نيوز" بمذكرة رسمية إلى نقابة الصحفيين، يطالبون فيها بتطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي تضمنته قرارات الدولة مؤخرًا بشأن العاملين في القطاعين العام والخاص.
تأتي هذه المطالب وسط ظروف اقتصادية متدهورة وتجاهل متكرر من إدارات المؤسسات الصحفية المستقلة، ما دفع العاملين إلى تحركات قانونية وإعلامية للضغط نحو تغيير واقعهم المهني والمعيشي.
تفاصيل المذكرة: صرخة من قلب الجريدة
بتاريخ 30 أكتوبر 2025، تقدم 74 صحفيًا من العاملين بجريدة "البوابة نيوز" بمذكرة رسمية حملت رقم 5152 إلى مجلس نقابة الصحفيين. وقد وصف الصحفيون هذه المذكرة بأنها "وثيقة كرامة"، مدوّنة بأسمائهم وأرقام عضويتهم، تؤكد إصرارهم على استعادة حقوقهم المهدرة، وعلى رأسها تطبيق الحد الأدنى للأجور.
وجاء في البيان الصادر عنهم: "كيف يعقل أن يمنح من قضى عمره في خدمة الكلمة 2000 جنيه فقط، ويسمى ذلك راتبًا؟ أليس هذا استخفافًا بالإنسان قبل أن يكون انتقاصًا من المهنة؟"
وأشاروا إلى أن هذه الخطوة تمثل بداية لسلسلة تحركات قانونية ومهنية لن تتوقف حتى يتحقق الحد الأدنى من العدالة.
واقع مهني "مذل" رغم الشعارات
في بيان لاحق صدر يوم السبت، أعاد الصحفيون التأكيد على مطالبهم، مشيرين إلى أن الغالبية العظمى من الصحفيين العاملين في الجريدة يتقاضون رواتب لا تتجاوز ألفي جنيه، رغم عملهم اليومي المتواصل على مدار أكثر من عشر سنوات.
وجاء في البيان: "في وقت تتعالى فيه الشعارات عن العدالة الاجتماعية وتقدير الكفاءات، يعيش أغلبية الصحفيين في 'البوابة' واقعًا مذلًا لا يليق بمهنتهم ولا بتاريخ المؤسسة التي صنعوها بعرقهم وأقلامهم."
واتهموا مجلس الإدارة بـ"الصمت المتعمد والتجاهل المتغطرس"، مطالبين بتنفيذ القانون، وصرف حقوقهم المهدرة، ومؤكدين أن الكرامة المهنية لا تُدار بالتجاهل، بل بالاعتراف والاحترام.
تصعيد قانوني وإعلامي محتمل
أكد الصحفيون في مذكرتهم أن الإدارة تنظر إليهم كأرقام في الميزانية لا أكثر، متجاهلة دورهم الأساسي في بناء محتوى الجريدة وتاريخها المهني.
وقال البيان: "غيرهم كثير من أبناء البوابة الذين حملوا الحلم على أكتافهم، وقرروا ألا يتركوه يُدفن في صمت."
وحذّر الصحفيون من أنهم سيسلكون جميع الطرق القانونية من أجل المطالبة بحقوقهم "مهما كلفهم ذلك"، مشيرين إلى أن ما يحدث يمثل انتهاكًا واضحًا لقواعد العدالة المهنية وحقوق الإنسان الأساسية.
تضامن واسع داخل الوسط الصحفي
تلقى تحرك صحفيي "البوابة نيوز" تضامنًا واسعًا من زملائهم في الوسط الصحفي، حيث أعرب عشرات الصحفيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن دعمهم الكامل للمطالب المشروعة لزملائهم.
ومن أبرز المواقف، ما أعلنه محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، الذي قال عبر صفحته على "فيسبوك": "كل الدعم لكل تحركاتهم في سبيل الحصول على حقوقهم المشروعة."
ويعكس هذا الدعم المتزايد حجم التوتر داخل الوسط الصحفي، والاحتقان الناتج عن فجوة كبيرة بين الجهد المبذول والمقابل المالي الهزيل.
خلفية الأزمة: احتجاجات مماثلة تتصاعد
يأتي تحرك صحفيي "البوابة نيوز" في ظل تزايد الاحتجاجات المطلبية في العديد من المؤسسات الإعلامية خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة تأخر الرواتب، أو تدنيها بشكل لا يواكب الارتفاع الحاد في أسعار المعيشة.
ففي أكثر من مناسبة، عبّر صحفيون بمؤسسات مختلفة عن استيائهم من غياب العدالة المهنية وتجاهل الإدارات لمطالبهم. كما أن كثيرًا منهم لا يتمتعون بالتأمين الصحي أو الترقية الوظيفية، رغم سنوات من العمل.
ومع اتساع الفجوة بين الأجور ومتطلبات الحياة، أصبحت المطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور قضية مركزية في مطالب الصحفيين، باعتبارها أساسًا لضمان كرامتهم واستقرارهم المهني والاجتماعي.
وفي النهاية تمثل مذكرة صحفيي "البوابة نيوز" محطة جديدة في مسار المطالب المهنية المتزايدة داخل المؤسسات الصحفية المصرية. وبينما يُعد تطبيق الحد الأدنى للأجور مطلبًا قانونيًا وأخلاقيًا، فإن تجاهله يُهدد استقرار العمل الصحفي ويؤدي إلى تآكل المهنية والولاء المؤسسي.
وفي ظل استمرار الغلاء وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فإن تحركات الصحفيين، إذا ما لقيت الدعم والتفاعل اللازم، قد تشكّل نقطة تحول نحو استعادة التوازن بين الحقوق والواجبات داخل المؤسسات الإعلامية في مصر.

