أثار الإعلان الأخير الصادر عن "اللجنة الشعبية للدفاع عن سجناء الرأي" في مصر موجة جدل واسعة، بعدما ذكرت في بيانها التأسيسي أن "أكثر من ستة آلاف معتقل على خلفيات سياسية لا يزالون قيد الحبس". الرقم المعلن أثار علامات استفهام كبيرة، خاصة في ظل تقديرات حقوقية توثق وجود ما بين 60 إلى 100 ألف معتقل منذ 2013، إلى جانب التوسع الضخم في بناء السجون بمصر خلال العقد الأخير.

 

تأسيس اللجنة: تحرك أهلي جديد في مواجهة القمع

 

أُعلن عن تأسيس اللجنة مساء الإثنين 10 نوفمبر 2025 في مقر حزب الكرامة بالقاهرة، بحضور عدد من الشخصيات العامة، ونقابيين، ومحامين، وأسر معتقلين سياسيين. جاءت المبادرة في توقيت بالغ الحساسية، حيث يتواصل الجدل حول الحبس الاحتياطي الذي وصفه البيان بـ"العقوبة السياسية"، مطالبًا بالإفراج عن كافة معتقلي الرأي، ومؤكدًا أن الآلاف وأسرهم يعانون منذ أكثر من عقد.

 

خطة عمل اللجنة: ستة محاور وأهداف واضحة

 

حددت اللجنة الشعبية محاور عملها في:

 

  • الرصد والتوثيق.
  • الدعم القانوني.
  • الضغط الإعلامي والحقوقي.
  • إصدار تقارير دورية.
  • دعم أسر المعتقلين.
  • التواصل مع المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية.

 

وأكدت اللجنة استقلاليتها عن الكيانات الرسمية، محذرة من أن السكوت على القمع سيعمق الانهيار الحقوقي المستمر في البلاد.

 

تضارب الأرقام: أين ذهب عشرات الآلاف؟

 

رغم إعلان اللجنة وجود "أكثر من ستة آلاف معتقل سياسي"، فإن هذا الرقم لا يعكس الواقع بحسب منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، التي تشير إلى وجود ما لا يقل عن 60 ألف معتقل منذ انقلاب 2013.

 

الأمر يزداد غموضًا إذا ما قورن بواقع البنية التحتية العقابية: مصر كان بها 42 سجنًا حتى 2013، واليوم باتت تمتلك أكثر من 86 منشأة عقابية بعد بناء 44 سجنًا جديدًا بينها مجمعات ضخمة مثل جمصة ووادي النطرون والمنيا والعاشر من رمضان.

 

ومن جهته قال الإعلامي هيثم أبوخليل " لماذا حددت لجنة الدفاع عن سجناء الرأي عدد المعتقلين بـ6 آلاف فقط؟ في 2013 كان بمصر 76 ألف سجين جنائي بـ42 سجنًا وتم بناء 44 سجنًا جديدًا بينها مجمعات ضخمة كالمنيا وجمصة ووادي النطرون والعاشر منظمات حقوقية قدرت عدد المعتقلين60 إلى100 ألف! فكيف يُختزل هذا العدد الهائل؟ ولمصلحة من؟".

 

 

التلاعب بالمصطلحات: من سجين رأي إلى متهم جنائي

 

يرى حقوقيون أن الحكومة المصرية تُعيد تصنيف المعتقلين السياسيين كمجرمين جنائيين أو متهمين في قضايا أمن دولة، لإخفاء الطابع السياسي للاعتقال، وبالتالي تقليص عدد من يُحسبون كمعتقلي رأي.

 

في ظل غياب قاعدة بيانات شفافة، تُستغل هذه الفجوة للترويج بأن عدد معتقلي الرأي محدود، رغم أن الوقائع والأرقام الميدانية ترسم صورة أكثر قتامة.

 

من المستفيد من تقليص الرقم؟

 

السلطة: تروج لخروج تدريجي من الأزمة الحقوقية أمام المجتمع الدولي.

 

اللجنة الجديدة: قد تسعى لامتلاك خطاب "واقعي" أكثر جذبًا للمؤسسات الرسمية.

 

الدوائر الإعلامية: تستفيد من تضييق النقاش حول ملف المعتقلين بإبراز أرقام متدنية.

 

لكن ذلك لا يُغير من واقع القمع الواسع ولا من معاناة أسر عشرات الآلاف من المحتجزين خارج القانون.

 

لماذا الرقم مهم؟

 

الأرقام ليست مجرد تفصيل إداري؛ إنها مؤشر على حجم الأزمة. إذا جرى تسويق أن عدد معتقلي الرأي هو 6 آلاف فقط، فهذا يمنح غطاءً لاستمرار الاعتقالات اليومية، ويُقلل من زخم الضغط المحلي والدولي.

 

الرقم المُعلن يُستخدم سياسيًا لتقزيم القضية، بينما تشير الحقائق إلى أن ما يجري هو اعتقال جماعي منظّم يمس كل فئات المجتمع: سياسيين، صحفيين، طلاب، ناشطين حقوقيين، ونقابيين.

 

العدالة لا تُبنى على أرقام مخفّفة

 

البيان التأسيسي للجنة الشعبية خطوة مهمة، لكنه بحاجة إلى مراجعة شجاعة للأرقام واللغة المستخدمة. إن من يتحدث عن "آلاف" بينما الواقع يشير إلى عشرات الآلاف، يُعيد إنتاج منطق التستر، حتى ولو بحسن نية.

 

تظل الحقيقة الأساسية أن مصر تعيش واحدة من أكبر موجات القمع في تاريخها الحديث، وأن اختزال هذا الواقع لن يخدم إلا من يسعى لإدامته. المطلوب الآن ليس فقط لجنة، بل مكاشفة وطنية تقرّ بحجم المأساة، وتناضل من أجل إنهائها، لا من أجل تجميلها.