في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل أسود من الانتهاكات التي تُمارسها أجهزة الأمن في ظل حكم الانقلاب العسكري، وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قيام قوات الشرطة في مركز إدفو بمحافظة أسوان، بتصفية 8 مواطنين أبرياء في عمليتين منفصلتين خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، بإشراف مباشر من ضباط معروفين بالاسم والرُتبة.
الأمن ينحر القانون في وضح النهار
الجريمة لم تكن مجرد "تجاوز فردي" أو "خطأ في التقدير"، بل عملية قتل عمد مع سبق الإصرار والترهيب في وضح النهار، جرت وقائعها على مرأى ومسمع من الجميع، بلا محاسبة، وسط تواطؤ القضاء وصمت الإعلام المحلي والدولي، بينما تتواصل سياسة الإفلات التام من العقاب.
27 سبتمبر.. خمس جثث متفحمة ونارٌ لم تطفأها "الداخلية"
في الواقعة الأولى بتاريخ 27 سبتمبر، نفّذت قوة من الشرطة بقيادة:
- الرائد محمد السيد الهاين
- النقيب أمجد إيهاب
- النقيب شهاب عبد العال
- النقيب أشرف الصاوي
مع عدد من أفراد القوة المرافقة، عملية استهدفت ما قيل إنهم "مطلوبون أمنيًا"، لكن النتيجة كانت قتل خمسة مدنيين عُزّل:
- محمد سعد الدين إبراهيم علي (32 سنة)
- صديق محمد الأمير (35 سنة)
- أحمد محمود عبد العظيم "الدبدوب" (26 سنة)
- إبراهيم رمضان العجاز (39 سنة)
- مواطن مجهول من الأقصر
تفاصيل الجريمة أشبه بجريمة حرب: إطلاق نار مباشر على سيارة الضحايا، اشتعال السيارة، وامتناع متعمّد من قوات الأمن والدفاع المدني عن إطفاء النيران لساعتين كاملتين، إلى أن تفحّمت جثثهم تمامًا.
ورغم وضوح الجريمة، بدأت بعدها حملة انتقام وترهيب ضد كل من حاول توثيق أو التحدث عن الواقعة، شملت اعتقال شهود وأقارب الضحايا، أبرزهم المهندس هيثم أبو المجد، صاحب المزرعة التي وثّقت الكاميرات فيها الحادثة.
"قتلوا شقيقي بعد ما خرج محروقًا".. روايات مفزعة من الأهالي
أحد أقارب الضحايا قال للشبكة: "النار مولّعة من 11 بالليل لحد الواحدة، والشرطة واقفة بتتفرّج، محدش قرب يطفي، والناس جوّه بيتحرقوا. إحنا ما استلمناش جثث، استلمنا لحمة متفحمة!"
وأضاف: "أحمد عبد العظيم كان الوحيد اللي قدر يخرج، لكن بعد ما خرج محروق، ضربوه بالنار تاني. بالله عليكم، ده يرضي مين؟ ده مش عدل ولا إنسانية."
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1276298297841487&set=a.473205571484101
19 أكتوبر.. ثلاث رصاصات في الرأس لمسالمين مستسلمين
في واقعة مشابهة بعد أقل من شهر، بتاريخ 19 أكتوبر، استهدفت نفس القوة الأمنية مواطنًا يُدعى "محمد جمال – حمو الدولي" بزعم أنه مطلوب، لكنه هرب. فكان البديل إعدام ميداني لثلاثة آخرين لا علاقة لهم بالأمر:
- المهندس محمد سيد عبد العزيز (32 سنة)
- حميد جمال (24 سنة) – شقيق المطلوب
- شخص ثالث مجهول الهوية
الشهادات التي جمعتها الشبكة تؤكد أن الثلاثة استسلموا وتم تقييد أيديهم قبل تصفيتهم من مسافة صفر.
العدالة تُقبر مع الضحايا.. ومركز شرطة إدفو يقود "حملة ترهيب" ممنهجة
بدلاً من فتح تحقيق عاجل، واصلت وزارة الداخلية عبر مركز شرطة إدفو إجراءات انتقامية صادمة:
- اعتقال هيثم أبو المجد، فقط لأنه يمتلك كاميرات وثّقت الجريمة، واحتُجز أيامًا دون تهم.
- اعتقال أحمد عبد العظيم، شقيق أحد الضحايا، لمجرد مطالبته بمحاسبة القتلة.
- اعتقال طارق عبد العظيم، قريب آخر، تم الإفراج عنه لاحقًا في ظل ضغط شعبي محدود.
هذه الممارسات تكشف عن دولة تعاقب من يطلب العدالة، وتُكافئ القاتل بمنصب وترقية.
"جرائم تصفية لا تختلف عن الإعدامات الميدانية في ميادين الحروب"
وصفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ما جرى بأنه قتل خارج القانون، وانتهاك صارخ للمادة 59 من الدستور المصري والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مطالبة بتحقيق دولي في ظل غياب العدالة المحلية.
لكن، وفي ظل حكمٍ يُدير الأمن والقضاء بقبضة عسكرية، لا يُنتظر من الداخل أي إنصاف، في حين يُغلق الخارج عينيه – لأن الجلاد في مصر "شريك استراتيجي".
حين تصبح الداخلية عصابة مسلحة.. من يحاسب الدولة؟
الدم الذي سُفك في إدفو، واللحم البشري المتفحم، ليس حادثًا معزولًا. بل هو عنوان دولة فقدت شرعيتها، تمارس القتل العشوائي باسم "الأمن"، وتكمم أفواه الشعب بالرصاص والنار.
في جمهورية الخوف التي يقودها عبد الفتاح السيسي، لا أحد آمن.. لا بالقانون، ولا بالدستور، ولا حتى بالاستسلام. من يسكت اليوم على هذه الجرائم، سيجد نفسه غدًا داخل السيارة المحترقة القادمة.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=825011436546584&set=pcb.825012279879833

