أثار تصريح وزير النقل كامل الوزير أثناء كلمته بالجول الختامية لمعرض النقل الذكي 2025، حول أزمة العمالة غضبًا واسعًا بعدما حاول إلقاء مسؤولية فشل الدولة في تطوير القطاع الإنتاجي على العامل البسيط، زاعمًا أن "العمالة في مصر تعاني من أزمة منذ عقود" وأن "ثقافة العامل تحتاج إلى تغيير"، وأن "القوانين يجب أن تُلزم العامل باحترام شغله".

 

بدلًا من الاعتراف بفشل الدولة—وحكومته تحديدًا—في إصلاح منظومة التعليم الفني، وتطوير مهارات العمال، وتقديم أجور عادلة، اختار الوزير خطابًا شعبويًا يُحمّل المواطن المسؤولية، في استمرار لنمط حكومي يتجاهل جذور المشكلة ويلجأ لتشويه صورة العامل المصري، أحد أكثر فئات المجتمع تهميشًا.

 

وزير يتحدث من برج عاجي.. ويتجاهل مسؤوليات وزارته

 

تصريح الوزير يُظهر انفصالًا واضحًا بين المسؤول وصميم المشكلة.

 

السؤال الذي يتجاهله الوزير عمداً: من المسؤول عن تطوير العمالة؟ ومن الذي يملك إمكانيات التعليم الفني وإصلاح سوق العمل؟

 

الحكومة — التي هو جزء منها — هي المسؤولة الأولى عن:

 

- فشل التعليم الفني لعقود


- انهيار منظومة التدريب المهني


- هجرة العمالة الماهرة


- تدني الأجور إلى مستويات لا تحترم الحد الأدنى للحياة


- غياب التشريعات العادلة


- احتكار الحكومة والمقاولين الكبار لعقود العمل دون معايير واضحة

 

ومع ذلك، يصر الوزير على تصوير العامل المصري كمعوّق للتقدم، في محاولة مكشوفة لتنظيف يد الدولة من مسؤولياتها.

 

أزمة العمالة ليست ثقافية.. بل سياسية وصناعية واقتصادية

 

يدّعي كامل الوزير أن العامل المصري "يحتاج إلى تغيير ثقافي"، وأن المشكلة "ليست في الحكومة".

 

لكن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا:

 

1. العامل المصري لم يفشل… بل الدولة فشلت في بنائه

 

دول الخليج تعتمد على العمالة المصرية منذ عقود، وتقدّرها وتوظفها بأجور محترمة.

 

فكيف يصبح العامل ممتازًا في الخارج و"غير محترف" داخل مصر؟

 

الجواب بسيط: الدولة لم توفر بيئة عمل عادلة، ولا تدريبًا، ولا حماية اجتماعية.

 

2. التعليم الفني انهار لأن الحكومة أهملته، لا لأن العامل لا يريد التعلم

 

يتحدث الوزير عن "غياب الإرادة السياسية" لتطوير التعليم الفني… لكنه نفسه جزء من هذه السلطة التي لم تفعل شيئًا لتغيير المنظومة.

 

3. العامل يُلام لأنه ضعيف… بينما المليارات تُنفق على مشاريع بلا تنمية حقيقية

 

الحكومة تصرف على الطرق والكباري ومحطات القطار، لكنها لا تصرف على الإنسان.

 

المشاريع تُبنى بسرعة، لكن الكوادر لا تُبنى.

 

والعامل المصري يُستخدم ككبش فداء.

 

تحميل العامل مسؤولية الفشل: خطاب حكومي مكرر لإخفاء العجز الإداري

 

عندما يقول الوزير: "لازم قوانين تلزم العامل باحترام شغله"، فهو يطرح خطابًا يعاقب الضحية بدلًا من محاسبة المسؤول.

 

لماذا لا يتحدث عن: الحد الأدنى للأجور الهزيل؟ ساعات العمل غير الإنسانية؟ غياب التأمينات والشروط الصحية؟ فساد منظومة المقاولين من الباطن؟

 

الحكومة تفرض على العامل الالتزام، بينما لا تفرض على نفسها الحد الأدنى من العدالة.

 

من المسؤول الحقيقي؟

 

الحكومة هي الطرف الوحيد الذي يمتلك: السلطة، المال، التشريع، القدرة على التدريب، إدارة التعليم الفني، وضع معايير الجودة

 

ومع ذلك، لم تستطع لعقود حل أزمة العمالة، بل زادت حدتها، بينما الوزير يكرر خطابًا يُلقي اللوم على المواطن الفقير بدلًا من مواجهة الحقيقة:

 

المشكلة ليست في العامل؛ المشكلة في الحكومة، فإصلاح العمالة يبدأ بإصلاح الحكومة قبل إصلاح العامل.

 

كلام الوزير لا يقدم حلولًا، ولا يعترف بالمسؤولية، بل يعيد إنتاج نفس الخطاب الذي فشلت به الحكومات المتعاقبة.

 

إذا أرادت الدولة تطوير العمالة بالفعل، فالأمر يبدأ بـ:

 

- أجور عادلة


- تدريب حقيقي


- تعليم فني محترم


- بيئة عمل آمنة


- قوانين تحمي العامل لا تُعاقبه


- ومحاسبة وزراء ومسؤولين فشلوا لسنوات

 

أما تحميل العامل البسيط مسؤولية خراب المنظومة، فهو أسهل طريق للهروب من الحقيقة… لكنه أيضًا الطريق الأسرع نحو مزيد من الانهيار.