يتواصل المشهد السوداني في الانحدار نحو كارثة إنسانية وعسكرية غير مسبوقة، مع تصاعد هجمات قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي توسّع نطاق عملياتها العسكرية بشكل عدواني، وتفرض قبضتها بالقوة على مزيد من المدن والمناطق.
ففي الوقت الذي أعلن فيه الجيش السوداني إسقاط مسيراتها قرب سد مروي والفرقة 19 مشاة، كانت الدعم السريع تُحكم السيطرة على مواقع إستراتيجية في بابنوسة وتشنّ قصفًا متواصلًا على المدنيين والجيش على حد سواء.
أمام هذا التمدد الدموي، تتزايد الإدانات الدولية لجرائم الدعم السريع، التي تصفها منظمات حقوقية بأنها انتهاكات ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية.
الدعم السريع… توسع ميداني قائم على الفوضى والقوة المجردة
تعمل قوات الدعم السريع بمنهج واضح: السيطرة بالقوة، وترويع السكان، وفرض واقع عسكري جديد بالقهر.
نجحت هذه القوات خلال الأسابيع الماضية في إحكام قبضتها على إقليم دارفور كاملًا، بما في ذلك مدينة الفاشر التي سقطت بعد حصار دام أكثر من عام ونصف.
واليوم، تتجه لنسخ السيناريو ذاته في إقليم كردفان، إذ باتت تسيطر على أكثر من 60% من أراضيه، بما في ذلك مدينة بابنوسة الحيوية، التي تعد شريانًا اقتصاديًا مهمًا يربط مناطق الإقليم ببعضها.
هذا التوسع لا يقوم على معارك نظامية وحسب، بل على تفريغ المدن من سكانها.
لجنة الطوارئ المحلية في بابنوسة أكدت بأن المدينة تحولت إلى “مدينة أشباح” بعد خروج 170 ألف مدني خوفًا من القصف والانتهاكات.
وحشية ممنهجة: قصف، تهجير، واعتداءات موثقة على المدنيين
لا يمكن توصيف أفعال الدعم السريع إلا باعتبارها عمليات عسكرية منفلتة من أي قواعد أخلاقية أو قانونية.
فعلى مدار أربعة أيام متواصلة، شنت قوات حميدتي قصفًا مركزًا باتجاه قيادة الجيش في المدينة، دون أي مراعاة لوجود المدنيين، ما تسبب في سقوط ضحايا ونزوح جماعي.
المخاوف الدولية ليست مبنية على تصريحات فقط، إذ تتهم تقارير أممية وإقليمية الدعم السريع بارتكاب:
- قتل جماعي
- اغتصاب النساء
- تعذيب المدنيين
- تنفيذ إعدامات ميدانية
- نهب الممتلكات الخاصة
- تهجير قسري للأهالي
- فرض حصار غذائي على المدن المستهدفة
هذه الانتهاكات أكدها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو نفسه، الذي قال إن “الجرائم ممنهجة، وليست تصرفًا فرديًا لعناصر منفلتة”.
استخدام مكثف للطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة
الهجمات الأخيرة للدعم السريع حملت تصعيدًا خطيرًا، عبر استخدام مسيرات لاستهداف منشآت حساسة مثل مقر قيادة الفرقة 19 مشاة، ومطار مروي، وسد مروي.
ورغم إسقاط الجيش لجميع هذه المسيرات، إلا أن الرسالة كانت واضحة:
الدعم السريع ذاهبة في خيار الحرب حتى آخر مدى، دون اكتراث بمخاطر ضرب البنى التحتية الحيوية.
كما أعلنت هذه القوات إسقاط طائرة "أكانجي" تركية الصنع تابعة للجيش، في محاولة واضحة لاستعراض القوة أمام المجتمع الدولي.
المجتمع الدولي يدق ناقوس الخطر… ولكن بلا تأثير
الولايات المتحدة طرحت نصًا لوقف إنساني لإطلاق النار، محذرة من “مستويات كارثية من المعاناة ومخاطر المجاعة”.
لكن قوات الدعم السريع تواصل تجاهل كل النداءات، مستمرة في توسعها العسكري، في وقت تعجز فيه المؤسسات الدولية عن فرض حظر سلاح فعلي عليها، أو منع تدفق الدعم الخارجي الذي يغذي تمددها.
مجلس الأمن والدفاع السوداني من جهته أعلن التعبئة العامة للقوات المسلحة، واصفًا الدعم السريع بأنها "مليشيا إرهابية" ترتكب انتهاكات غير مسبوقة.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن الوضع الإنساني ذاهب إلى الأسوأ، مع غياب أي ضغط دولي يجبر قوات حميدتي على وقف عملياتها.
خاتمة: السودان في مفترق تاريخي… والدعم السريع أكبر تهديد لوحدة البلاد
ما تقوم به قوات الدعم السريع ليس مجرد معارك عسكرية، بل محاولة لفرض مشروع مسلح يقوم على السيطرة بالقوة، والتمدد الجغرافي، وتغيير التركيبة السكانية عبر التهجير والإرهاب.
أمام هذا المشهد الدموي، يصبح مستقبل السودان مهددًا بالكامل، ووحدة أراضيه في أخطر مراحلها منذ عقود.
ما لم يوقف المجتمع الدولي هذا التمدد المسلح، فإن السودان قد ينزلق إلى نموذج يشبه رواندا أو الصومال، حيث تتفكك الدولة وتعلو أصوات البنادق فوق كل القوانين.

