تتواصل موجة الاحتجاجات داخل شركات مياه الشرب والصرف الصحي في عدد من المحافظات، في مشهد نقابي غير مسبوق منذ سنوات، بعدما دخل عمال القاهرة أسبوعهم الثاني من التظاهر للمطالبة بحقوق مالية ووظيفية متراكمة، بينما امتدت الاحتجاجات اليوم إلى الشرقية وبني سويف، لتلتحق بمواقع الجيزة التي تشهد تحركات مماثلة لليوم الرابع على التوالي.

بدأت شرارة الاحتجاجات في القاهرة الأربعاء الماضي، عبر وقفات وتظاهرات متزامنة داخل مواقع متعددة لشركة مياه الشرب، شملت شبكات المياه ومحطات التحلية وفروع خدمة العملاء والمخازن، إضافة إلى المقر الرئيسي في شارع رمسيس.
وطالب العاملون بصرف العلاوات المتأخرة منذ 2016، ومعالجة الخلل في تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يضمن احترام التدرج الوظيفي، وصرف الأرباح السنوية، إلى جانب مطلب بارز تمثل في إقالة نائب رئيس مجلس إدارة الشركة للشؤون المالية والإدارية، علي عماشة.

ورغم محاولات الإدارة احتواء الغضب بصرف جزء من فروق الضرائب المستحقة للعمال، اعتبر المحتجون الخطوة «استخفافًا» بمطالبهم، وهو ما فجّر موجة جديدة من التظاهرات داخل مواقع العمل، ردد خلالها العمال هتافات تؤكد استمرارهم في التحرك حتى تحقيق مطالبهم.

وتشير شهادات عمال تحدثوا إلى أن اللجنة المعنية بحصر فروق الضرائب، التي خُصمت بمبالغ أعلى من المستحق، قدّرت الفروقات بين عامي 2018 و2022 بنحو 50 مليون جنيه. ورغم إقرار الشركة القابضة بهذا الرقم، أكدت أنها غير قادرة على صرف المبلغ دفعة واحدة، بينما بقيت فروق السنوات اللاحقة (2023–2025) غير محصورة بعد، لعدم توريد الضرائب لمصلحة الضرائب في الأصل.

وامتدت الحركة الاحتجاجية اليوم إلى الشرقية، حيث نظم عمال الشركة هناك وقفة بالمقر الرئيسي تضامنًا مع زملائهم في القاهرة. وأفاد عمال تحدثوا بأن مسؤولين بالشركة خاطبوهم لطمأنتهم بأن النقاشات تدور على مستوى الشركة القابضة لبحث آليات الاستجابة لمطالب العاملين في مختلف المحافظات. وفي بني سويف نظّم العمال وقفة مماثلة بفرع الشركة في مركز ببا.

أما في الجيزة، فأكد عاملون استمرار الوقفات لليوم الرابع في مواقع عدة بينها جزيرة الدهب والوراق وإمبابة، وسط إصرار على التوسع في التحرك حتى تحقيق المطالب الثلاثة الأساسية: ضم العلاوات المتأخرة، وتثبيت العمالة المؤقتة، وإقالة عماشة.

وفي محاولة لاحتواء المشهد، أعلنت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي مساء السبت الماضي حزمة من 13 قرارًا قالت إنها «تحفيزية وتنظيمية» لتحسين بيئة العمل وتحقيق الاستقرار الوظيفي داخل الشركات التابعة. لكن العمال عبّروا عن رفضهم لتلك القرارات واعتبروها «فارغة من المضمون»، وأنها لم تقترب من جوهر مطالبهم.

وتبرز أزمة التحصيل في القاهرة كمؤشر إضافي على اتساع الاحتجاجات، إذ امتنع محصلو الفواتير عن العمل منذ الأيام الأولى للتحرك، ما أدى إلى تراجع الإيرادات بنسبة 80%، بحسب عمال. كما لحق بهم مشرفو التحصيل الذين كانوا يكلَّفون بالنزول لتعويض غياب المحصلين، قبل أن ينضموا هم أيضًا إلى الإضراب.

ويعاني العمال منذ سنوات من تدني الرواتب بسبب عدم ضم العلاوات وغياب العدالة في تطبيق الحد الأدنى للأجور، ما أدى إلى تقارب مرتبات العمال الجدد مع من قضوا عقودًا داخل الشركة، إضافة إلى فجوة كبيرة في الأجور مقارنة بالعاملين في الشركة القابضة.

وتأتي هذه الاحتجاجات امتدادًا لتحركات مماثلة شهدتها الشهور الماضية، أبرزها ما حدث في الإسكندرية منتصف يوليو الماضي عندما نظم عمال الشركة هناك وقفات واعتصامات للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ 2016. كما سبق أن خرج محصلو الفواتير وقارئو العدادات بنظام العمولة في القليوبية خلال مارس الماضي في احتجاجات متزامنة للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وتحرير عقود عمل شاملة.

وبين تصاعد الغضب، ومحاولات التهدئة، يظل المشهد مفتوحًا على مزيد من التوتر ما لم تصدر حلول جذرية تعالج المطالب المتراكمة، وتضمن تحسين الأوضاع المالية والوظيفية لآلاف العمال في قطاع يعد أحد أكثر القطاعات حيوية في الخدمات العامة بمصر.