شهدت قرية برنيس التابعة لمدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، صباح الثلاثاء 25 نوفمبر، سيلاً كبيراً تسبب في توقف حركة السير بالكامل على طريق مرسى علم-شلاتين. حملت السيول "كميات كبيرة من الأطماءات والرمال والحجارة التي غطت أجزاء واسعة من الطريق"، ما أدى إلى "شل حركة المرور تماماً، واصطفاف عشرات السيارات والمركبات على جانبي الطريق في انتظار إعادة فتحه".

 

هذا المشهد المتكرر كل موسم أمطار يكشف حجم الفشل الحكومي في بناء بنية تحتية قادرة على مواجهة الأمطار والسيول. فبينما أنفقت الحكومة مليارات الجنيهات على مشاريع هامشية وقصور رئاسية وعواصم إدارية، تظل المدن والقرى المصرية عاجزة عن التعامل مع أمطار طبيعية تتكرر سنوياً. والمواطنون يدفعون الثمن: طرق مشلولة، حركة متوقفة، أرواح معرضة للخطر، ومنازل مهددة بالدمار.

 

تحذيرات متكررة وإجراءات صورية

 

أعلنت محافظة البحر الأحمر "رفع حالة الاستعداد" و"تفعيل المستوى الثاني لإدارة الأزمات" و"تشكيل غرف عمليات على مدار الساعة". لكن هذه الإجراءات الروتينية التي تتكرر مع كل موجة أمطار لم تمنع السيول من شل الحركة المرورية وتهديد المناطق السكنية. المحافظ شدد على "مراجعة خطة مواجهة الأمطار والسيول ومتابعة صيانة البرابخ والسدود"، لكن الواقع يؤكد أن هذه "الخطط" مجرد حبر على ورق لا يترجم إلى إجراءات حقيقية تحمي المواطنين.

 

هيئة الأرصاد أصدرت تحذيرات من "أمطار متفاوتة الشدة قد تصل إلى حد السيول" و"تكاثر السحب الرعدية" و"احتمالية تشكل السيول على الطرق المؤدية من وإلى جنوب سلاسل جبال البحر الأحمر". لكن ما فائدة التحذيرات إذا لم تكن هناك بنية تحتية قادرة على تحمل الأمطار؟ وما قيمة "غرف العمليات" إذا كانت الطرق تنهار والمواطنون يعلقون في السيول؟

 

بنية تحتية متهالكة وغياب التخطيط

 

رغم أن الحكومة تدعي أنها "نفذت 1627 عملاً صناعياً للحماية من أخطار السيول بسعة تخزينية 350 مليون متر مكعب وبتكلفة 6.7 مليار جنيه"، إلا أن الواقع يكذب هذه الأرقام المضخمة. السيول تتكرر كل عام، الطرق تنهار، المنازل تتدمر، والمواطنون يموتون، في دليل قاطع على أن "الأعمال الصناعية" إما وهمية أو سيئة التنفيذ أو غير كافية.

 

تقرير من عام 2024 يكشف أن قرى أسوان تعاني من "تدمير المنازل وغياب البنية التحتية الفعالة نتيجة السيول المتكررة، في ظل غياب المساعدات الحكومية الكافية". النائب محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان، اتهم "الإدارات المحلية بالتقصير لكونها لم تتصدى لبناء البيوت بالقرب من مخرات السيول"، مؤكداً أن "عدم وجود منظومة صرف صحي ومخرات للسيول في بعض المناطق من قرى صعيد مصر مسؤولية الوحدات المحلية".

 

لكن المشكلة ليست فقط في "الإدارات المحلية"، بل في حكومة مركزية تنفق على مشاريع هامشية وتهمل البنية التحتية الأساسية. فقر وجهل يدفعان المواطنين لبناء بيوتهم في مناطق خطرة، وحكومة فاشلة تكتفي بـ"التحذيرات" دون توفير بدائل آمنة أو بنية تحتية حقيقية تحميهم.

 

مليارات على قصور وعواصم والبنية التحتية منهارة

 

المفارقة المأساوية أن حكومة الانقلاب أنفقت عشرات المليارات على العاصمة الإدارية الجديدة والقصور الرئاسية والطرق الصحراوية الفارغة، بينما تركت المدن والقرى المأهولة بالسكان دون بنية تحتية قادرة على مواجهة أمطار عادية. الأولوية للمشاريع الاستعراضية التي تخدم النظام وتضخم صورته، بينما المواطن البسيط يواجه الأمطار بطرق متهالكة ومنازل غير آمنة ومخرات سيول مسدودة.

 

حتى "السدود وخزانات تجميع السيول التي أقامتها الدولة" والتي تفتخر بها الحكومة، لم تمنع السيول من شل الحركة المرورية وتهديد المناطق السكنية. هذا يؤكد أن "الأعمال الصناعية" المعلنة إما غير كافية أو سيئة التخطيط أو مجرد أرقام مضخمة لا تعكس الواقع الفعلي.

 

الخلاصة: شعب في خطر وحكومة غائبة

 

سيول تشل الحركة المرورية وتهدد المناطق السكنية، بنية تحتية متهالكة عاجزة عن مواجهة أمطار عادية، حكومة تكتفي بـ"التحذيرات" و"غرف العمليات" دون إجراءات حقيقية، مليارات تنفق على مشاريع هامشية بينما المواطنون يواجهون الموت في كل موسم أمطار. هذا هو واقع مصر تحت حكومة الانقلاب: دولة تنفق على قصور رئاسية بينما مواطنوها يغرقون في السيول، نظام يفتخر بـ"أعمال صناعية للحماية" بينما الطرق تنهار والمنازل تتدمر، حكومة تتحدث عن "خطط" و"استعداد" بينما الواقع يؤكد الفشل الذريع والإهمال المتعمد لحياة المواطنين وسلامتهم.