في حلقة جديدة من مسلسل "تسليع الوطن" وتحويل مصر إلى مجرد مساحة عقارية شاسعة معروضة لمن يدفع أكثر، أعلنت شركة "مراكز" السعودية عن مشروع جديد يلتهم 100 فدان أخرى في منطقة غرب القاهرة، باستثمارات وعوائد مستهدفة تصل إلى 25 مليار جنيه. هذا الإعلان، الذي تحتفي به أبواق النظام كإنجاز استثماري، ليس في حقيقته سوى دليل دامغ على إفلاس الرؤية الاقتصادية للسلطة الحاكمة، التي تخلت عن دورها في بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي، وتحولت إلى مجرد "سمسار أراضي" يسهل استحواذ رأس المال الخليجي على أصول الدولة ومقدراتها، بينما يغرق المواطن المطحون في دوامة الغلاء والديون.
غرب القاهرة.. "كامبوندات" للأثرياء وعزلة عن الشعب
المشروع الجديد في غرب القاهرة يرسخ سياسة "الفصل العنصري الطبقي" التي يتبناها النظام الحالي. فبينما يعاني ملايين المصريين من أزمة إسكان طاحنة وارتفاع جنوني في أسعار العقارات ومواد البناء، تفتح الحكومة أبوابها للمطورين الخليجيبن لبناء "كامبوندات"مغلقة للأثرياء فقط. الـ 25 مليار جنيه التي يتحدثون عنها كإيرادات لن يرى المواطن العادي منها مليمًا؛ فهي ستدور في فلك دائرة مغلقة من المستثمرين والمقاولين والمنتفعين من حول السلطة.
إن تخصيص 100 فدان لمشروع سكني تجاري فاخر في وقت تعاني فيه الصناعة من التصفية والزراعة من العطش، يؤكد أن أولويات هذا النظام هي "الخرسانة والرفاهية" للنخبة، وليس "الخبز والإنتاج" للشعب. غرب القاهرة لم تعد امتدادًا عمرانيًا لحل أزمة التكدس، بل تحولت إلى "مستعمرة" لرأس المال الخليجي، حيث تباع الأرض المصرية بالمتر للمستثمر الأجنبي، بينما يُطرد المواطن المصري من أرضه ومسكنه في جزيرة الوراق وألماظة ونزلة السمان بدعوى "التطوير".
اقتصاد "الريعية" والاعتماد المذل على الخارج
هذا المشروع يكشف عورة النموذج الاقتصادي الهش الذي أسسه النظام؛ نموذج لا يقوم على التصنيع أو التصدير، بل على "بيع الأصول" و"المضاربة العقارية". دخول شركة "مراكز" السعودية بنظام الشراكة ليس إنجازًا، بل هو تكريس لتبعية اقتصادية مهينة تجعل القرار الاقتصادي المصري رهينة في يد العواصم الخليجية.
السلطة التي فشلت في جذب استثمارات تكنولوجية أو صناعية توفر فرص عمل حقيقية ومستدامة، لا تجد أمامها سوى "بيع الأرض" لجذب العملة الصعبة. هذا النهج حول الاقتصاد المصري إلى "اقتصاد ريعي" بامتياز، يعتمد على "حقن" الدولارات القادمة من صفقات الاستحواذ العقاري، وهو ما يخلق فقاعة اقتصادية ضخمة ستنفجر حتمًا في وجه الجميع عند أول هزة، تاركة وراءها مدنًا خاوية وديونًا لا تنتهي.
وهم الـ 25 مليار.. أرقام لا تسمن ولا تغني من جوع
الاحتفاء برقم "25 مليار جنيه" كعوائد متوقعة هو جزء من البروباغندا الإعلامية للتغطية على الانهيار الحقيقي لقيمة العملة. فهذه المليارات في ظل التضخم الجامح وانهيار الجنيه لا تساوي قيمتها الشرائية شيئًا مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات. النظام يستخدم هذه الأرقام الضخمة لتخدير الرأي العام وإيهامه بأن هناك "تنمية"، بينما الحقيقة هي أن هذه الأموال هي نتاج "تضخم الأصول" وليس نتاج قيمة مضافة حقيقية.
علاوة على ذلك، فإن نظام "الشراكة مقابل حصة في الإيرادات" الذي تتباهى به الشركة، يعني أن الدولة أو مالك الأرض (أياً كان موقعه من السلطة) قد رهن مستقبل هذه الرقعة الجغرافية لسنوات طويلة قادمة لصالح المستثمر الأجنبي، مما يحرم الأجيال القادمة من حقها في هذه الأصول.
الخلاصة:
إن مشروع "مراكز" الجديد ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من بيع أصول مصر وتجريف هويتها الاقتصادية. النظام الحالي لا يبني دولة، بل يبني "منتجعات" لمن يملك الثمن، ويحول مصر تدريجيًا من وطن للمصريين إلى "فرصة استثمارية" للمطورين العقارين الإقليميين. إنه اقتصاد "الواجهة البراقة" الذي يخفي خلفه هيكلاً متآكلاً، وشعبًا يزداد فقرًا كلما ارتفعت أبراج العاصمة الإدارية أو توسعت مشروعات غرب القاهرة.

