أعلنت الجريدة الرسمية، في عددها رقم 47 مكرر (أ)، عن قرار عبدالفتاح السيسي، رقم 554 لسنة 2025، الذي صادق على مذكرة التفاهم واتفاق تسهيل قرض بقيمة 4 مليارات يورو بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، ضمن آلية دعم الاقتصاد الكلي والموازنة العامة. ووفق نص القرار، فإن الموافقة مشروطة بالتصديق الرسمي، لتصبح هذه الخطوة جزءًا من الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وبروكسل.

 

تزايد الدين الخارجي والاعتماد على القروض

 

تشير بيانات البنك المركزي إلى أن الدين الخارجي لمصر تجاوز 165 مليار دولار بنهاية 2024، مقارنة بـ43 مليار دولار عام 2013، في ارتفاع غير مسبوق يعكس اعتماد الدولة الكبير على القروض لتسيير الاقتصاد بدلاً من الاستثمار في الإنتاج المحلي.

 

ويؤكد الدكتور حسن هيكل، محلل الأسواق المالية، أن هذا التضخم في الدين يشكل تهديدًا للسيادة الاقتصادية، مضيفًا: "مصر لم تعد تقترض للتوسع بل لسداد التزامات قائمة، ما يدخلها في دوامة مستمرة من الاستدانة".

 

اقتصاد يعتمد على الاقتراض بدل الإنتاج

 

يرى الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند، أن القروض تُستخدم كأداة لتسيير الموازنة لا لبناء قاعدة صناعية أو زراعية، وأن القرض الأوروبي الجديد لن يغير الواقع الاقتصادي.

 

ويضيف أن هذا النهج يُبقي الاقتصاد في "دائرة مفرغة من الديون"، مع حلول مؤقتة تُرضي المؤسسات الدولية على حساب إصلاحات هيكلية حقيقية للنمو المستدام.

 

غياب الشفافية وتحميل الأجيال القادمة العبء

 

يشدد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، على أن إدارة ملف الديون تفتقر للشفافية، حيث يمرر البرلمان الاتفاقيات المالية دون نقاشات حقيقية، محذرًا من أن كل قرض جديد يزيد أعباء الأجيال المقبلة، بينما لا يشعر المواطن بتحسن في مستوى المعيشة.

 

وأشار إلى أن خدمة الدين الخارجي تستهلك أكثر من نصف إيرادات الدولة، ما يحد من الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية.

 

السيطرة العسكرية على الاقتصاد

 

يعتبر الدكتور عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد السياسي، أن المشكلة تكمن في طبيعة إدارة الاقتصاد، حيث تسيطر مؤسسات غير مدنية على مفاصل السوق، وتُوجه القروض لمشروعات ضخمة سيادية دون مردود اقتصادي حقيقي، ما يحول الاقتصاد إلى أداة لخدمة السلطة وليس المواطن.

 

استقرار زائف وتأجيل للأزمة

 

يقول الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، إن القروض الأوروبية والدولية لا تحقق استقرارًا حقيقيًا بل تؤجل الأزمة فقط، حيث يعتمد الاقتصاد على تدفقات خارجية بدلاً من موارد محلية.
ويرى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بتقليص دور الدولة في النشاط التجاري، وتمكين القطاع الخاص، ووقف التوسع في الاقتراض لأغراض غير إنتاجية.

 

اقتصاد رهين القروض

 

يشير الدكتور محمود وهبة، خبير اقتصادي مقيم في نيويورك، إلى أن مصر دخلت مرحلة "التبعية المالية"، حيث أصبح كل قرض جديد التزامًا سياسيًا واقتصاديًا يقيد إرادة الدولة.
ويؤكد أن الربط بين الاستقرار الاقتصادي والاقتراض هو خطاب خطير، لأن الاقتصادات تُبنى بالإنتاج والثقة وليس بالدين، مستشهداً بخطر فقدان السيطرة على القرار الاقتصادي في المستقبل القريب.