أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين أن طواقمها القانونية أجرت سلسلة واسعة من الزيارات الميدانية شملت سجون الرملة والنقب وعوفر ومجدو، إلى جانب عدد من مراكز التوقيف، وذلك في إطار متابعتها المستمرة للأوضاع الإنسانية والقانونية للأسرى داخل سجون الاحتلال، ورصد الانتهاكات المتصاعدة بحقهم خلال الفترة الأخيرة.

 

وقالت الهيئة إن محاميها تمكنوا خلال الزيارات من لقاء عشرات الأسرى في أقسام مختلفة، حيث نقلوا شهادات صادمة تعكس تدهورًا خطيرًا في ظروف الاحتجاز، وتوسعًا ملحوظًا في إجراءات القمع والتنكيل. ووفق ما أفاد به الأسرى، فقد شهدت الأيام الماضية تشديدًا غير مسبوق في العقوبات، بدءًا من تقليص وجبات الطعام ومنع إدخال الملابس، وصولًا إلى حرمان المرضى من العلاج وتجاهل الحالات الصحية الخطيرة.

 

وأوضحت الهيئة أن الوضع في سجن الرملة على وجه الخصوص “ينذر بكارثة إنسانية”، إذ يعاني الأسرى المرضى من إهمال طبي ممنهج وغياب شبه تام لمقومات العلاج، داخل ما يُسمّى “عيادة السجن” التي تفتقر للكوادر الطبية والمعدات الأساسية.

 

وفي سجن النقب، وثّقت الهيئة اكتظاظًا خانقًا داخل الخيام، وارتفاعًا في الأمراض الجلدية والالتهابات نتيجة انعدام النظافة. بينما نقل الأسرى في سجن مجدو روايات عن حملات تفتيش مستمرة، وإغلاق للأقسام لساعات طويلة، وفرض غرامات جماعية تهدف إلى إنهاك الأسرى نفسيًا ومعنويًا.

 

وفي سجن عوفر، تحدّث الأسرى عن سوء التغذية، وتراجع جودة المياه، ومنع التواصل مع العائلات، بحيث بات المحامون المنفذ الوحيد لنقل أوضاعهم إلى العالم الخارجي.

 

وأكدت الهيئة أن هذه المشاهدات توثّق سياسة ممنهجة تقوم على “تجريد الأسرى من احتياجاتهم الأساسية وإبقاء الضغط عليهم بهدف كسر إرادتهم”، في مخالفة واضحة لقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تكفل حقوقًا أساسية للمعتقلين.

 

وأضافت الهيئة أنها ستعمل على رفع تقارير مفصلة بهذه الانتهاكات إلى المؤسسات الدولية والحقوقية، بما في ذلك الصليب الأحمر الدولي ومجلس حقوق الإنسان والمقررين الخاصين للأمم المتحدة، مطالبة بفتح تحقيق فوري وعلني في هذه الممارسات.

 

شهادات موثقة

 

ووفق شهادات موثقة من أسرى فلسطينيين أُفرج عنهم من السجون الصهيونية مؤخرًا، فإن نمطًا ممنهجًا من التعذيب الجنسي يشمل الاغتصاب، تجريد المعتقلين من ملابسهم “التعرية”، وتوثيق ذلك قسريا عبر التصوير، استخدام أدوات جنسية، وحتى الاعتداء عبر الكلاب، بات واقعا داخل السجون.

 

ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه الحالات وهي لامرأة تبلغ من العمر 42 عامًا، اغتصبها الجنود الصهاينة 4 مرات، ووجهت إليها إهانات لفظية، وصورت عارية، وتعرضت للصعق بالكهرباء والضرب في جميع أنحاء جسدها، حسب إفادتها لمراكز حقوقية مختصة.

 

وترى المراكز الحقوقية الفلسطينية، أن هذه الشهادات ليست حالات معزولة، بل جزء مما يمكن وصفه بـ”سياسة منهجية مرتبطة بجرائم إبادة جماعية” موجهة ضد الفلسطينيين، فيما دعا مفوضون حقوقيون أمميون إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة لبحث هذه الانتهاكات.

 

فاقت حدود التصور

 

رئيس نادي الأسير، عبد الله الزغاري، شدد أن الفظائع التي مورست بحق الأسرى والمعتقلين بعد الإبادة تجاوزت حدود التصور، بدءا من جرائم التعذيب الممنهج، والتجويع، والجرائم الطبية، والاعتداءات الجنسية بما فيها جرائم الاغتصاب.

 

وبين، في تصريح صحفي أن الإفادات والشهادات لا تزال تكشف يوميا عن تفاصيل جديدة ومعلومات أكثر خطورة بشأن شكل الإبادة الجارية داخل سجون الاحتلال.

 

ويرى “الزغاري” أن اعتراف سلطات الاحتلال لـ”منظمة أطباء لحقوق الإنسان– إسرائيل” باستشهاد 94 أسيرا منذ بدء حرب الإبادة حتى شهر أغسطس 2025، ثم تسجيل أربعة آخرين بعد ذلك والإعلان عنهم ليرتفع العدد إلى 98، يشير بوضوح إلى أن العدد الحقيقي أعلى مما جرى الإعلان عنه ويتجاوز المائة، وهو عدد غير نهائي.

 

يذكر أنّ المؤسسات الحقوقية الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى تمكنت من توثيق والإعلان عن استشهاد 81 أسيرا ومعتقلا في سجون الاحتلال الصهيوني، منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة.

 

ما يجري مخيف ومروع

 

من جهته يرى الرئيس السابق لهيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، أن الشهادات التي خرج بها الأسرى والأسيرات في الأسابيع الأخيرة تكشف مستوى غير مسبوق من العنف المنظم داخل السجون الصهيونية، مؤكدًا أن الاحتلال يستخدم التعذيب كأداة سياسية لمعاقبة المجتمع الفلسطيني بأكمله.

وقال "إن شهادات الأسيرات شكلت صدمة للرأي العام، بعد أن تحدثن عن تنكيل نفسي وجسدي، وعن محاولات إذلال تستهدف تحطيمهن إنسانيًا، مؤكدًا أن ما تتعرض له الأسيرات يضع الاحتلال في دائرة الاتهام بارتكاب انتهاكات خطيرة تتناقض مع كل القوانين والأعراف الدولية."

وأشار فارس إلى أن روايات عديدة تحدثت عن اعتداءات جنسية وعمليات اغتصاب، مشددًا على ضرورة وجود تحقيق دولي عاجل، وقال إن “الجريمة الجنسية ليست فقط اعتداءً على جسد الأسيرة، بل محاولة لمسح إنسانيتها بالكامل”.