الأرقام التي كشفها الدكتور أحمد عطوان، المحلل السياسي المعروف، ليست مجرد إحصاءات جافة، بل هي "استفتاء شعبي صامت" حكم فيه المصريون على نظام الانقلاب بالإدانة والرفض.
فبينما تحاول آلة الدعاية الرسمية إظهار الانتخابات البرلمانية كـ "عرس ديمقراطي"، والمشهد على الأرض يروي قصة مختلفة تماماً: 94% من الناخبين المصريين قرروا أن يقاطعوا الصناديق، ورفضوا التصويت لمجرد بضع وعود رئاسية براقة. في هذا الصمت الرهيب، وفي هذه اللامشاركة الضخمة، يكمن الحكم النهائي على شرعية البرلمان والنظام معاً.
📌الأرقام لا تكذب فهل يخجلون؟
— د. أحمد عطوان DR.AHMED ATWAN (@ahmedatwan66) November 27, 2025
94% من المصريين رفضوا المشاركة وقاطعوا الانتخابات البرلمانية ولم تخدعهم الوعود الرئاسية
———- ——-
بنظرة سريعة على بعض اللجان:
♦️ الدائرة 3 (شبرا الخيمة ثان)
عدد الناخبين المقيدين: 878,095 - عدد من أدلوا بأصواتهم: 27,528
نسبة المشاركة: 3.1%
♦️حدايق… pic.twitter.com/0OMJJH1t4f
الأرقام تتحدث: جنازة الديمقراطية في دوائر مصر
لا تحتاج الأرقام إلى تحليل معقد لتكشف الحقيقة المرة. فمجرد النظر على الأرض يؤكد الكارثة:
- في دائرة شبرا الخيمة الثانية: من بين 878,095 ناخباً مقيداً، لم يتقدم سوى 27,528 شخصاً للتصويت. نسبة مشاركة بائسة تبلغ 3.1% فقط! أي أن 96.9% من الناخبين رفضوا المشاركة.
- في حديقة القبة: من 325 ألف ناخب، حضر 21 ألفاً فقط، بنسبة 6%. أي أن 94% اختاروا البيوت على صناديق الاقتراع.
- في دائرة الخانكة والخصوص والعبور: من 644,807 ناخبين، شارك 67,365 فقط. نسبة 10.4%، تاركين خلفهم 89.6% قاطعين.
- في المحلة: من 440 ألف ناخب، حضر 41 ألفاً بنسبة 9%.
- في الإسماعيلية الأولى: من 465 ألف، شارك 41 ألف بنسبة 9%.
- في القاهرة الجديدة: من 730 ألف ناخب، مشارك 41 ألف فقط بنسبة بائسة جداً 5.5%.
- في السيدة وعابدين والدرب الأحمر: من 275 ألف، حضر 19 ألف بنسبة 7%.
متوسط الحضور في معظم الدوائر لم يتجاوز 6-10% في أحسن الحالات. هذا يعني أن نسبة المقاطعة وصلت إلى 90%، والبعض الآرقام تؤكد وصول المقاطعة لـ 94%. هذه الأرقام ليست في دائرة واحدة أو محافظة واحدة، بل هي النمط السائد في معظم دوائر مصر.
"كفرنا بالاستبداد".. الرسالة التي تفهمها حكومة السيسي
عندما يرفض 94% من الناخبين المشاركة في انتخابات يُعلن عنها كـ "لحظة تاريخية" و"عودة للديمقراطية"، فهذا لا يعني مجرد "عزوف انتخابي". بل يعني أن الشعب أرسل رسالة واضحة لحكومة الانقلاب: "نحن لا نؤمن بنزاهة هذه العملية، ولا بشرعية هذا النظام".
يصف عطوان الدلالات السياسية لهذه المقاطعة الضخمة بدقة:
- عزوف ورفض شعبي صامت
الشارع المصري لم يتظاهر ولم يرفع أصوات الاحتجاج (خوفاً من الشرطة)، لكنه اختار الخيار الأكثر فعالية: الصمت والامتناع. هذا الصمت هو "إضراب" حقيقي ضد النظام، أكثر مرارة من أي احتجاج صاخب.
- فشل الحشد الرسمي للسلطة
الحكومة، مع كل جهازها البيروقراطي والأمني والإعلامي، فشلت في حشد الناس. الخطابات الرسمية، والوعود بـ "مصر الحرية"، والترهيب الأمني، والحوافز الاقتصادية - كل ذلك لم ينجح. البشر رفضوا أن يصفقوا لمسرحية لا تخدع أحداً.
- فقدان الثقة بنزاهة الانتخابات
المصريون يعرفون حقيقة اللعبة. يعرفون أن الصناديق "مفروضة"، وأن النتائج "معروفة مسبقاً"، وأن البرلمان الناتج سيكون "ختم موافقة" على قرارات الرئيس. لذلك، لماذا يذهبون إلى اللجان ليشاركوا في خديعة؟
- سقوط شرعية البرلمان
برلمان يُنتخب بنسبة مشاركة 6-10% هو برلمان "بلا شرعية". كيف يمكن لـ 27,528 شخصاً (من 878,095) أن يمثلوا دائرة بأكملها؟ كيف يمكن لبرلمان كهذا أن يشرّع قوانين باسم الشعب؟ الإجابة: لا يمكن، ولا يجب.
- استفتاء شعبي ضد النظام
هذه المقاطعة هي بحد ذاتها "استفتاء"، والشعب صوت بـ "لا" واضحة. لا للنظام الحالي، لا للبرلمان المزيّف، لا للديمقراطية من الدرجة الرابعة.
- الشعب فقد الأمل في الإصلاح
لم يعد يؤمن الناس أن "التغيير من الداخل" ممكن. لم يعودوا يعتقدون أن البرلمان سيحمي حقوقهم أو ينصفهم. لذلك، لماذا المشاركة؟
- الناس كفروا بالاستبداد
هذه الكلمة الأخيرة من عطوان تحمل وزناً كبيراً: "الناس كفروا بالاستبداد". أي أن المصريين وصلوا لنقطة التشبع من القمع والسيطرة، وقررّوا أن ينسحبوا. الصمت هو شكل من أشكال الثورة.
الخلاصة: برلمان "بلا شرعية".. ودولة بلا مصداقية
إن المشهد الذي يصفه عطوان بالأرقام هو مشهد انهيار. انهيار ليس للبنية المادية، بل للبنية السياسية والأخلاقية. نظام حاول أن يقدم للعالم "برلماناً ديمقراطياً" لكن الشعب رفض أن يصدّق اللعبة.
الحكومة تحاول أن تتجاهل هذه الأرقام المذعة، وتغطيها بشعارات براقة، لكن الحقيقة تبقى: برلمان جديد ولد بـ "نسبة شرعية" لا تتجاوز 6-10%، مما يجعله أضعف برلمان في التاريخ الحديث للدولة المصرية.
عندما يختار 94% من الشعب عدم المشاركة، فهذا ليس "مؤشر" على مشكلة، بل هو حكم نهائي على النظام بأكمله. ورغم أن الدولة ستحاول تنفيذ مخططاتها من خلال هذا البرلمان الضعيف، إلا أن الجرح قد فُتح، والرسالة قد وصلت: الشعب لم يعد مستعداً لتمثيلية ديمقراطية بلا مضمون.

