في تصعيد إعلامي جديد يعكس هوس الاحتلال بتضخيم التهديدات القادمة من الجبهة المصرية منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، تحدثت تقارير عبرية عن “أسبوع استثنائي” شهد ارتفاعًا حادًا في محاولات تهريب السلاح عبر طائرات مسيّرة تنطلق من سيناء باتجاه الأراضي المحتلة. الأرقام التي جرى تداولها (87 طائرة في أسبوع واحد) تضع المشهد في إطار تهويل أمني متواصل، يُستخدم لتبرير عسكرة الحدود مع مصر وتشديد تعليمات إطلاق النار وتحويل المنطقة إلى حزام عسكري مغلق.

 

87 طائرة مسيّرة في أسبوع واحد

 

أفادت إذاعة “إيميس” العبرية بأن أنظمة الرصد الإسرائيلية سجّلت خلال الأسبوع الماضي وحده 87 طائرة مسيّرة على طول الحدود مع مصر، في رقم ضخم تحرص على تقديمه بوصفه مؤشرًا على “موجة تهريب غير مسبوقة”.

 

وفق الرواية ذاتها، نجحت 26 مسيّرة في عبور الحدود إلى داخل الأراضي المحتلة، بينما تم إسقاط 18 طائرة، في حين تعذر رصد 43 مسيّرة قالت الإذاعة إن التقدير الغالب هو أنها تحطمت داخل الجانب المصري قبل أن تعبر. هذه الطريقة في عرض الأرقام تحاول بناء صورة عن “سماء مزدحمة بالمسيّرات”، تبرر رفع مستوى التأهب، وتُحمّل ضمنيًا الجانب المصري مسؤولية “حدود منفلتة”.

 

“عمليات ناجحة” ورواية عن منصات إطلاق قرب السياج

 

زعمت الإذاعة أن قوات الأمن الإسرائيلية نفّذت خلال الأيام الماضية عمليتين “ناجحتين” ضد شبكات التهريب في المنطقة الحدودية، إحداهما انتهت باعتقال مهرّب قالت إنه أنشأ منصة إطلاق كبيرة قرب السياج الفاصل.

 

تقدّم هذه الرواية المهرّبين كطرف منظم يمتلك بنية لوجستية ومنصات ثابتة، في محاولة لتصوير المشهد كجبهة شبه عسكرية لا مجرد تهريب جنائي، بما يسمح للمنظومة الأمنية بتبرير استخدام القوة المفرطة وإطلاق النار عبر الحدود تحت عنوان “إحباط تهديدات استراتيجية”.

 

أسلحة متطورة ومواد “خطرة”

 

التقارير العبرية لم تكتفِ بحديث العموميات، بل ادعت أن التحقيقات الأولية أظهرت أن التهريب لا يقتصر على أسلحة فردية، بل يشمل “كميات كبيرة من المواد الخطرة وأسلحة متطورة”، في صياغة فضفاضة تفتح الباب لكل الاحتمالات دون تقديم أدلة ملموسة.

 

بهذا النوع من اللغة، يسعى إعلام الاحتلال إلى ترسيخ فكرة أن ما يجري ليس مجرد تهريب تقليدي، بل مشروع منظم “لتعزيز قدرات خلايا نشطة داخل إسرائيل”، وهو خطاب يخدم فرض مزيد من القيود على الفلسطينيين في الداخل وعلى الحركة في النقب والحدود، كما يغطي أي حوادث إطلاق نار تجاه مناطق سيناء أو محاولات توغل محدودة تحت شعار مطاردة المهربين.

 

تأهب خاص ووصف التهديد بأنه “غير هامشي”

 

ذكرت الإذاعة أن قوة عسكرية خاصة وُضعت في حالة تأهب قصوى لمواجهة هذا النمط من التهديدات، مع تطوير وسائل رصد واعتراض للمسيّرات على طول الشريط الحدودي.

 

ونقلت عن مصدر أمني رفيع قوله: “نحن نستعد لهذا السيناريو حقا، وفي كل التصورات الممكنة”، مشيرًا إلى أن الجيش والشرطة باتا يعتبران تهديد المسيّرات أداة مركزية لدى “جهات معادية” تحاول اختراق العمق الإسرائيلي دون خسائر بشرية مباشرة في صفوفها. هذه اللغة تعكس تحوّل ملف التهريب الجوي إلى بند ثابت في عقيدة الأمن الإسرائيلية، يُستخدم داخليًا للضغط من أجل مزيد من الميزانيات والتكنولوجيا، وخارجيًا لتبرير تشديد القبضة العسكرية على الحدود مع مصر.

 

“أحد أخطر التحديات الأمنية” في السنوات الأخيرة

 

خلص التقرير العبري إلى أن التصاعد في استخدام الطائرات المسيرة لتهريب السلاح من سيناء يُعد “أحد أخطر التحديات الأمنية” التي تواجهها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، واضعًا هذا الملف في مرتبة قريبة من جبهات غزة ولبنان من حيث الاهتمام الإستراتيجي.

 

كما شددت الإذاعة على أن الجيش والشرطة سيواصلان “استخدام كل الوسائل المتاحة” من تقنيات متقدمة إلى وحدات نخبة، لمنع أي اختراق أمني مهما كانت طبيعته، وهو ما يعني عمليًا تكريس نمط عملياتي يسمح بتوسيع دائرة الاشتباه والاستهداف على طول الحدود، مع احتمال أكبر لوقوع حوادث إطلاق نار متبادلة أو إصابات مدنيين بدعوى مكافحة التهريب.

 

الحدود تتحول إلى منطقة عسكرية مغلقة

 

في موازاة هذا التصعيد الإعلامي، كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد أعلن رسميًا تحويل المنطقة الحدودية مع مصر إلى “منطقة عسكرية”، وهو توصيف قانوني يسمح بتقييد الحركة، وإقامة نقاط مراقبة وتشديد الإجراءات الأمنية إلى الحد الأقصى.

 

ووجّه كاتس بتعديل تعليمات فتح النار لضرب أي جهة غير مصرّح لها بالدخول إلى المنطقة المحظورة، تحت عنوان استهداف مشغّلي الطائرات المسيّرة والمهربين، الأمر الذي يرفع مستوى الخطورة على السكان في الجانبين، ويزيد احتمال وقوع حوادث قتل أو اشتباك بذريعة “الاشتباه الأمني”. بهذه الإجراءات، يتضح أن خطاب الاحتلال عن “مسيّرات التهريب” ليس مجرد مادة إعلامية، بل غطاء لتثبيت واقع عسكري جديد على الحدود مع مصر، يُستخدم فيه الأمن كمدخل لإعادة هندسة كامل الحزام الحدودي سياسيًا وعسكريًا.