مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

عادت صفقة الغاز الإسرائيلي المعطلة لمصر، والبالغة قيمتها 35 مليار دولار، إلى دائرة الأضواء والجدل والإثارة مجددًا، وفي الأيام الأخيرة، احتلت الصفقة نقاشات واسعة من قبل صانعي القرار في القاهرة وتل أبيب وواشنطن وعواصم أخرى. زاد من الاهتمام أن المواقف المتعلقة بالتفاصيل والمسارات والسيناريوهات باتت بشكل عام مبعثرة وربما ملتبسة وغامضة بالنسبة للصفقة الأهم في تاريخ دولة الاحتلال، والتي تضمن تدفق مليارات الدولارات إليها من الخزانة المصرية حتى عام 2040.

 

زاد من حالة الغموض تلك موقف حكومة نتنياهو المتعنت، إذ تعمل على تسريب أنباء تحاول من خلالها إعطاء انطباع بتعطيل الصفقة بهدف نيل رضا الرأي العام الإسرائيلي الباحث عن غاز محلي رخيص واتفاق يراعي المصالح الوطنية، وأنها تعترض على الوجود العسكري المصري المكثف في سيناء، والنتيجة أن تلك الحكومة المتطرفة تستخدم ملف الطاقة وتصدير الغاز للأسواق المصرية كورقة ضغط سياسية وأمنية، عبر ربط التزام القاهرة ببنود اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 باستمرار إمدادات الغاز الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، تعمل تلك الحكومة في الخفاء على تمرير الصفقة والتصديق على الاتفاق لأهداف اقتصادية.

 

موقف القاهرة لا يزال ثابتًا على تنفيذ الصفقة التي ستطفئ احتياجات الأسواق المحلية المتزايدة من الوقود الأزرق، وتحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، ولدى صانع القرار في العاصمة المصرية إصرار على تمرير "الاتفاقية التاريخية" التي تم التوصل إليها في أغسطس الماضي مع حكومة الاحتلال التي تتلكأ في تمريرها لأسباب سياسية واقتصادية وشعبية.

 

لكن في الوقت نفسه، لا تضع القاهرة يدها على خدها رضوخًا للابتزازات الإسرائيلية المتتالية، بل بدأت خطوات جدية في تنويع مصادر الطاقة والبحث عن بدائل للغاز الإسرائيلي، من أبرزها إبرام صفقة ضخمة لاستيراد الغاز الأميركي بقيمة 4 مليارات دولار في إطار صفقات اجمالية أخرى مع شركات طاقة عالمية بقيمة تبلغ نحو 10 مليارات دولار، وحديث متنامٍ عن صفقة غاز قطرية محتملة وضخمة لمصر، في محاولة لسد ثغرة غياب الغاز الإسرائيلي المعطل، وهو ما تحدثت عنه وسائل إعلام مصرية وعبرية قبل أيام، منها مثلًا ما ذكرته القناة الـ12 العبرية يوم 2 ديسمبر الجاري، عن أنه في ظل الصفقة الإسرائيلية المعلقة، تحاول الدوحة أن "تستغل الفرصة الناتجة عن هذا التأجيل لتقديم عرض إلى القاهرة لتزويدها بكميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال، في محاولة لتعزيز نفوذها في السوق المصرية التي تعدّ من أكبر مستوردي الغاز في المنطقة".

 

واشنطن هي الأخرى تسعى لتمرير الصفقة المثيرة للجدل بهدف حماية مصالح شركة شيفرون الأميركية العملاقة للطاقة التي تدير حقل ليفياثان الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يضخ الغاز لمصر وفق الاتفاق المعطل، وتمارس ضغوطًا شديدة على حكومة نتنياهو للمصادقة على الاتفاق، لأنها تدرك أن دولة الاحتلال تحاول عرقلة الصفقة لحسابات سياسية، وأن المتضرر الرئيسي من موقف تل أبيب المتعنت هو شيفرون.

 

موقف واشنطن أخذ أشكالًا عدة من الضغوط، منها إلغاء زيارة وزير الطاقة الأميركي كريس رايت التي كانت مقررة إلى إسرائيل بداية الشهر الماضي. كما أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تمارس ضغوطًا كبيرة على تل أبيب لتمرير الصفقة، وفق مكتب وزير الطاقة الإسرائيلي. كل السيناريوهات مطروحة بشأن مستقبل صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، وإن كنت أميل إلى الرأي القائل إن الصفقة ستمر وسترى النور رغم ممارسة دولة الاحتلال حالة ابتزاز كبيرة ضد مصر وتسعى من خلالها لرفع أسعار الغاز المصدر للقاهرة وخفضه داخل إسرائيل، وفي حال خضوع القاهرة لتلك الابتزازات، فإن هذا قد يؤدي إلى حدوث زيادة في أسعار الكهرباء والغاز للمستهلكين، أفراد وشركات ومنتجين، في مصر، وإدخال الأسواق المصرية في دوامة تضخم جديدة.