يرصد صالح سالم، من القاهرة، تحرّكاً مصرياً–ليبياً جديداً قد يعيد خلط أوراق شرق المتوسط، بعد إعلان القاهرة وسلطات شرق ليبيا بدء إجراءات ترسيم الحدود البحرية، في خطوة تثير مخاوف من تجدد التوتر مع أنقرة. جاء الإعلان عقب لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة بلقاسم حفتر في القاهرة، حيث ناقش الطرفان ملفات ثنائية وإقليمية، وبرز ترسيم الحدود البحرية بنداً حساساً ذا تبعات سياسية واقتصادية.
يوضح العربي الجديد أن الاتفاق المزمع، إذا اكتمل، سيحدد المناطق الاقتصادية الخالصة لمصر وشرق ليبيا، بما يتيح لكل طرف التفاوض مع شركات الطاقة الدولية على استكشاف الهيدروكربونات، ولا سيما الغاز الطبيعي، داخل نطاقات واضحة قانونياً، وهي خطوة تراها القاهرة ضرورية لجذب استثمارات ضخمة وتفادي نزاعات قانونية أو أمنية قد تعرقل عمليات التنقيب.
دوافع الطاقة والاقتصاد
يرى مختصون في القاهرة أن ترسيم الحدود يمنح شركات الطاقة اليقين القانوني المطلوب قبل ضخ استثمارات بمليارات الدولارات. يشير صلاح حافظ، نائب رئيس هيئة البترول المصرية السابق، إلى أن الشركات لا تعمل في مناطق يكتنفها غموض قانوني أو مخاطر عسكرية، مؤكداً أن أي اكتشافات إضافية في المتوسط ستدعم الاقتصاد المصري وتدفع هدف التحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
تسعى مصر إلى موارد إضافية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة مع نمو السكان وتسارع خطط التصنيع والتصدير. يعتمد قطاع الكهرباء بدرجة كبيرة على الغاز الطبيعي، وقد شهدت البلاد تقلبات خلال العقدين الماضيين بين الاستيراد والتصدير، ما دفعها إلى البحث المستمر عن مصادر جديدة لسد فجوة الإنتاج والاستهلاك. كلف الاعتماد على الواردات القاهرة أثماناً سياسية، خصوصاً مع إسرائيل، التي ربطت صادرات الغاز بملفات إقليمية حساسة، من بينها مواقف مصر الرافضة لتهجير الفلسطينيين من غزة.
عقدة الاتفاق التركي–الليبي
تدعم القاهرة قوات حفتر منذ بروزها عقب انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، بحثاً عن شريك يضبط الحدود الغربية ويمنع تسلل الفوضى إلى الصحراء الغربية الشاسعة. ومع ذلك، يثير ترسيم الحدود مع شرق ليبيا تعقيدات قانونية بسبب اتفاق وقّعته حكومة غرب ليبيا مع تركيا عام 2019. رفضت مصر واليونان ذلك الاتفاق وعدّته متعدياً على مناطقهما الاقتصادية، وأصبح أحد محركات التنافس الإقليمي وحروب الوكالة في المتوسط.
يحذر مراقبون من أن أي اتفاق مصري–شرقي ليبي قد يتداخل مع الجرف القاري الذي يمنحه اتفاق 2019 لتركيا، ما يفتح باب نزاع قانوني جديد قد يتطور إلى توتر أمني. يقول المحلل السياسي المصري عبد الستار حتيتة إن القاهرة رفضت اتفاق 2019 لأنه يمس منطقتها الاقتصادية الخالصة، مشيراً إلى تفهم أوروبي لموقف مصر وحقوقها في شرق المتوسط.
توازن التقارب مع أنقرة
شهدت العلاقات المصرية–التركية تحسناً ملحوظاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية بعد عقد من التوتر، حيث تعاون الطرفان في ملفات إقليمية عدة، منها السودان وغزة وليبيا، وتوسّع التعاون الاقتصادي والعسكري، مع مساهمة شركات تركية في تطوير الصناعات الدفاعية المصرية، خاصة الطائرات المسيّرة. يعكس هذا التقارب مكاسب المصالحة مقارنة بكلفة الصراع.
مع ذلك، يخشى محللون من أن يعيد اتفاق ترسيم محتمل مع شرق ليبيا إشعال تنافس الموارد القديم. يرى محللون أتراك أن الحفاظ على مستوى عالٍ من التنسيق بات ضرورياً لمنع عودة الخصومات. يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو إن التنسيق بين القاهرة وأنقرة يحمي مصالحهما المشتركة، ويشكك في قدرة حفتر على توقيع اتفاقات دولية بصفته العسكرية، مؤكداً في الوقت نفسه حرص البلدين على إبقاء مسار التهدئة قائماً.
في المحصلة، توازن القاهرة بين حاجتها الملحّة للطاقة واستثماراتها، وبين إدارة حساسيات شرق المتوسط، حيث تتقاطع الجغرافيا بالقانون والسياسة. يفتح المسار المصري–الشرقي الليبي نافذة فرص اقتصادية، لكنه يختبر أيضاً صلابة التقارب المصري–التركي وقدرته على احتواء نزاعات ترسيم الحدود من دون الانزلاق إلى مواجهة جديدة.
https://www.newarab.com/news/will-egypt-haftar-deal-east-med-provoke-turkeys-ire

