في شهادة قاسية تزلزل الضمير الإنساني، وتكشف عن الدرك السحيق الذي انحدرت إليه منظومة السجون الإسرائيلية، خرج الصحفي الفلسطيني سامي الساعي ليروي تفاصيل تعرضه للاغتصاب الوحشي والاعتداء الجنسي داخل سجن "مجدو"، خلال فترة اعتقاله الإداري التي امتدت لعام ونصف. هذه الشهادة ليست مجرد قصة فردية، بل هي جرس إنذار يوثق تحول التعذيب الجنسي من "تجاوزات فردية" كما يزعم الاحتلال، إلى "سلاح حرب" وسياسة ممنهجة تُدار من قبل السجانين لكسر إرادة الأسرى وإذلالهم، في ظل صمت دولي مخزٍ وتعتيم إعلامي متعمد.

 

اللقاء الذي نظمه مركز "مدى" للحريات الإعلامية في رام الله، لم يكن مجرد منصة لسرد الألم، بل كان محكمة شعبية فضحت كيف تحولت المعتقلات الإسرائيلية إلى مسالخ بشرية، تُنتهك فيها أجساد الفلسطينيين وكرامتهم بدم بارد، كجزء لا يتجزأ من حرب الإبادة الشاملة التي يشنها الاحتلال على الوجود الفلسطيني في غزة والضفة والسجون.

 

"عصا" السجان والاغتصاب الجماعي: تفاصيل ليلة الجحيم

 

بشجاعة نادرة، روى الساعي تفاصيل ليلة الرعب التي عاشها، واصفًا كيف انهال عليه مجموعة من السجانين بالضرب المبرح وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين، قبل أن يقتادوه إلى زاوية معزولة داخل السجن. هناك، نُزعت عنه ملابسه بالقوة، وأجبر على وضعية مهينة، ليتعرض لاعتداء جنسي وحشي باستخدام عصا، بينما كان سجان آخر يدوس بقدمه على رأسه ورقبته لمنعه من الحركة أو المقاومة.

 

هذا الوصف الدقيق يكشف عن طبيعة الجريمة: هي ليست فعلًا عشوائيًا وليد لحظة غضب، بل "طقس تعذيب" جماعي يشارك فيه عدة سجانين بأدوار موزعة، بهدف تحقيق أقصى درجات الألم الجسدي والإذلال النفسي. استخدام العصا كأداة للاغتصاب يعكس سادية مطلقة ورغبة في تحطيم "صورة الذات" لدى الأسير، وتحويل جسده إلى ساحة لانتهاك لا يمحى من الذاكرة.

 

يؤكد الساعي في شهادته أن الهدف لم يكن الألم الجسدي فحسب، بل "كسر الإنسان". التعذيب الجنسي في العقيدة الأمنية الإسرائيلية هو أداة لترويض الأسرى وسحق كبريائهم. عندما يُغتصب رجل، وصحفي، بهذه الطريقة الوحشية، فإن الرسالة الموجهة له وللآلاف غيره هي: "أنتم لا تملكون أجسادكم، ولا كرامة لكم، ونحن قادرون على انتهاك أعمق خصوصياتكم دون رادع".

 

هذه السياسة تتسق مع عشرات الشهادات الأخرى التي خرجت من "سدي تيمان" وغيره من المعتقلات، والتي تتحدث عن تعرية قسرية، وتحرش، وتهديدات بالاغتصاب، كجزء من روتين يومي يهدف إلى تحويل الأسير إلى كائن محطم نفسيًا، يسهل السيطرة عليه أو إجباره على الاعتراف أو حتى الصمت بعد الخروج.

 

لا يمكن فصل ما جرى مع الساعي عن السياق العام لحرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عامين. فالسجون لم تعد مجرد أماكن احتجاز، بل تحولت إلى جبهة حرب خلفية. التقارير الحقوقية تؤكد تصاعد وتيرة التعذيب بشكل مرعب منذ 7 أكتوبر، حيث أُزيلت كافة القيود "القانونية" الشكلية، وأُعطي السجانون ضوءًا أخضر للتنكيل بالأسرى.

 

ما بين التجويع حتى الهزال، والحرمان من النوم، والإهمال الطبي الذي أدى لاستشهاد العشرات، وصولًا إلى الاعتداءات الجنسية الصريحة، يواجه أكثر من 9300 أسير فلسطيني مصيرًا مجهولًا. الساعي هنا هو صوت الآلاف الذين لا يزالون خلف القضبان، والذين قد يمنعهم الخجل أو الخوف أو التهديد من البوح بما تعرضوا له من فظائع مشابهة.

 

استهداف الصحفي: محاولة لفقأ عين الحقيقة

 

كون الضحية صحفيًا يضيف بعدًا خطيرًا للجريمة. الاحتلال يدرك أن الصحفي هو الشاهد والموثق، لذا فإن استهدافه بهذا النوع من التعذيب يهدف إلى "كي الوعي" وترهيب كل ناقل للحقيقة. رسالة الاحتلال للصحفيين واضحة: "كاميراتكم وأقلامكم لن تحميكم، ومصيركم سيكون الانتهاك الجسدي والنفسي". ورغم ذلك، فإن خروج الساعي وشهادته العلنية يمثلان هزيمة لهذا الهدف، وانتصارًا للضحية التي رفضت أن تدفن قصتها في عتمة الزنازين.

 

إن شهادات الاغتصاب القادمة من سجون الاحتلال تضع المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية أمام اختبار أخلاقي وقانوني حاسم. فإما التحرك الفوري لفتح تحقيقات دولية ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، أو الاستمرار في التواطؤ بالصمت، وهو ما يعني منح الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات والأجساد المستباحة في أقبية الاحتلال المظلمة.