خبيرة اقتصادية تدق ناقوس الخطر
تتعامل الخبيرة الاقتصادية سالي صلاح مع صفقة بيع حصة شركة «الإسكندرية لتداول الحاويات» بوصفها جريمة مكتملة الأركان بحق الاقتصاد الوطني، لا مجرد صفقة استثمارية عابرة.
في قراءتها، ما حدث ليس خصخصة طبيعية، بل تفريط منظم في أصل استراتيجي يدر عملة صعبة، وبأسعار أقل كثيرًا من قيمته الحقيقية، وبعيدًا عن شفافية حقيقية أو نقاش مجتمعي وسياسي.
من هنا تصف الصفقة بأنها جزء من «تصفية ممنهجة» لأملاك المصريين لصالح قلة من المستفيدين، وليست إصلاحًا اقتصاديًا كما تروّج الحكومة.
شركة رابحة تُباع كأنها خاسرة
جوهر اعتراض سالي صلاح يدور حول أن «الإسكندرية للحاويات» ليست شركة خاسرة أو عبئًا على الموازنة، بل كيان رابح يحقق عوائد ثابتة من نشاط حيوي هو تداول الحاويات في واحد من أهم الموانئ المصرية.
بيع حصة مسيطرة في مثل هذا الكيان يعني – اقتصاديًا – التخلي عن مصدر إيراد دائم ومستقر مقابل مبلغ مقطوع يُنفق لاحقًا في سد عجز أو خدمة دين دون رؤية إنتاجية حقيقية.
الأخطر أن تقييم الصفقة – بحسب ما تشير إليه سالي – جاء أقل بكثير من القيمة العادلة إذا ما احتُسبت أصول الشركة وأرباحها المتراكمة وإمكانات نموها المستقبلية، ما يجعل البيع أقرب إلى «تسليم مفتاح» لمستثمر جديد بسعر خصم ضخم على حساب الشعب.
بيع السيادة قبل بيع الأصول
موانئ الحاويات ليست مجرد شركات نقل، بل أدوات سيادة وأمن قومي، لأن من يتحكم في حركة البضائع يتحكم في شريان التجارة والدواء والغذاء. عندما تحذر سالي صلاح من «جريمة بيع الإسكندرية للحاويات»، فهي تلفت إلى أن إدخال مستثمر أجنبي أو جهة بعينها بشروط غامضة يخلق نوعًا من النفوذ طويل الأمد على واحد من أهم مداخل البلاد.
الخطر لا يقف عند حدود الربح والخسارة، بل يمتد إلى قدرة الدولة على التحكم في رسوم العبور، وأولويات الاستخدام، وحجم الشفافية في ما يدخل ويخرج من الميناء في أوقات الأزمات أو النزاعات. هكذا يتحول القرار من صفقة اقتصادية إلى تنازل عملي عن جزء من السيطرة على واحد من شرايين الدولة.
أرقام تكشف حجم «الجريمة الاقتصادية»
في طرحها، تشير سالي إلى أن تقييم الصفقة تم بما يعادل جزءًا بسيطًا من القيمة الحقيقية للأصل، إذا قورنت بأسعار أسهم الشركة في فترات سابقة، وبحجم توزيعات الأرباح، وبقيمة الأصول والأراضي والمعدات التي تمتلكها.
هذه المقارنة تجعل الفارق بين القيمة العادلة وسعر البيع أشبه بـ«خصم خيالي» يتخطى المنطق الاقتصادي، ما يفتح الباب لأسئلة عن المستفيد الحقيقي ومن صاغ الشروط وكيف مرّت عبر المؤسسات دون اعتراض.
حين تُباع شركة قادرة على تحقيق أرباح سنوية مستمرة بما قد يعادل نسبة كبيرة من ثمن البيع، فهذا يعني أن الدولة تتخلى عن دخل مستدام مقابل مبلغ مؤقت، أي أنها تقبض الآن وتفقر نفسها وأجيالها القادمة لاحقًا.
منطق «تسييل الأصول» على حساب مستقبل البلد
سالي صلاح تضع صفقة الإسكندرية للحاويات ضمن سياق أوسع لسياسة «تسييل الأصول» التي تتبعها حكومة السيسي، حيث يتم سد فجوات العجز والديون عبر بيع أصول عامة لا يمكن تعويضها. بدل إصلاح السياسات المالية، ومحاربة الفساد، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، يصبح الحل الأسهل هو عرض ما تبقى من أملاك الشعب في مزاد مفتوح.
هذه السياسة – في تقديرها – ليست إصلاحًا، بل بيعًا تدريجيًا لمصر قطعة بعد قطعة، من الكهرباء إلى الموانئ إلى الشركات الصناعية واللوجستية، لصالح الدائنين والمستثمرين الأقوياء، بينما يُترَك المواطن بلا شبكة أمان اجتماعي ولا أصول تدر على الدولة دخلاً يمكن أن يُستخدم لتحسين التعليم والصحة والأجور.
وأخيرًا شهادة خبيرة في مواجهة «دولة بيع البلد»
الأخطر في قراءة سالي صلاح أن ما حدث في «الإسكندرية للحاويات» ليس استثناءً بل نموذجًا لأسلوب حكم كامل، يعتبر الأصول العامة «خزينة طوارئ» يفتحها كلما ضاق عليه الحال، بدل أن يبني اقتصادًا منتجًا ومستقلًا. بهذا المعنى، تتحول الدولة في عهد السيسي من حارس على المال العام إلى وسيط يبيع ما تحت يده بأقل من ثمنه ليبقى النظام السياسي قائمًا، لا ليبقى المجتمع قويًا.
أمام شهادة خبيرة اقتصادية تحذر بالأرقام والمنطق، يصبح الصمت الرسمي وتجاهل هذه التحذيرات قرينة إضافية على أن ما يجري ليس مجرد سوء إدارة، بل مسار خطير لتجريد المصريين من ملكيتهم المشتركة لموانئهم وشركاتهم. ومن هنا تكتسب عبارة سالي عن «جريمة بيع الإسكندرية للحاويات» معناها الكامل: ليست جريمة رقمية على الورق فقط، بل جريمة في حق الحاضر والمستقبل معًا.

