يشهد الجنوب اللبناني توترًا متصاعدًا يعيد ملف الحرب مع حزب الله إلى صدارة المشهد الإقليمي، بالتزامن مع غارات إسرائيلية جديدة واستعدادات معلنة لمواجهة عسكرية محتملة قبل نهاية العام.

 

هذا التصعيد يضع اتفاق وقف إطلاق النار الهش على المحك، ويفتح الباب أمام سيناريوهات ميدانية وسياسية معقدة تمتد من الحدود إلى بيروت وواشنطن.

 

غارتان جديدتان وضحايا مدنيون

 

استشهد شخصان وأُصيب آخرون في غارتين إسرائيليتين استهدفتا مناطق مختلفة في لبنان أمس الثلاثاء، في رسالة عسكرية واضحة مفادها أن تل أبيب مستمرة في سياسة "المعركة بين الحروب" رغم سريان وقف إطلاق النار.

 

وأعلن جيش الاحتلال في بيانين منفصلين أنه استهدف عنصرين من حزب الله في جنوب لبنان، أحدهما في منطقة الطيبة، والآخر في سبلين، زاعماً أن الهدف هو "منع الحزب من إعادة بناء قدراته بعد الحرب" التي استمرت لأكثر من عام قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

 

في المقابل، أفادت وزارة الصحة اللبنانية بأن غارة إسرائيلية أصابت شاحنة صغيرة على الطريق بين بلدتي جدرا وسبلين، ما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة خمسة آخرين، بينما قتلت غارة أخرى شخصًا على طريق العديسة، وهو ما يعيد طرح ملف استهداف المدنيين في أي جولة مواجهة قادمة.

 

اتفاق هش ولجنة مراقبة تحت الضغط

 

يأتي هذا التصعيد قبل أيام من انعقاد جلسة جديدة للجنة مراقبة وقف إطلاق النار، المقرر عقدها الجمعة المقبل بمشاركة لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، في إطار آلية متابعة الاتفاق.

 

ومن المتوقع أن يشارك في الجلسة القادمة مدنيان، لبناني وإسرائيلي، بعد حضورهما الجلسة السابقة مطلع الشهر الحالي، في سابقة تمثل أول محادثات مباشرة من هذا النوع بين البلدين منذ وقف إطلاق النار.

 

الاتفاق ينص على وقف الأعمال القتالية وانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وصولًا إلى نزع سلاحه في كامل لبنان، مقابل انسحاب جيش الاحتلال من المواقع التي تقدم إليها خلال الحرب الأخيرة، غير أن إسرائيل ما زالت تحتفظ بخمسة مواقع استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، في حين يرفض حزب الله نزع سلاحه خارج منطقة شمال الليطاني، ما يجعل الاتفاق أقرب إلى "هدنة مؤقتة" منه إلى تسوية نهائية.

 

تل أبيب تستعد لحرب قصيرة وحاسمة

 

على المستوى الإسرائيلي، تتحدث تقديرات صحف عبرية كـ"يديعوت أحرونوت" عن استعداد جيش الاحتلال لسيناريو مواجهة عسكرية مع حزب الله مع اقتراب الموعد النهائي المفترض لاستكمال نزع سلاحه جنوب الليطاني، مع التحذير من أن الحزب "يتعافى ويزداد قوة بوتيرة أسرع" من المتوقع.

 

وتتهم هذه التقديرات الجيش اللبناني بعدم تنفيذ المهام المطلوبة بالكامل في منطقة الجنوب، لكنها في الوقت نفسه تقر بأن الدعم الأمريكي لعملية عسكرية واسعة ضد حزب الله لا يزال محدودًا في هذه المرحلة.

 

صحيفة "إسرائيل هيوم" أشارت إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تخطط لمواجهة قد تستمر عدة أيام، بهدف توجيه ضربة قاسية لقدرات حزب الله العسكرية ليس فقط في الجنوب، بل أيضًا في مناطق أخرى، مع تركيز خاص على بيروت حيث يعمل الحزب على إعادة تأهيل بنيته التحتية.

 

ووفق هذه التقديرات، يعتزم رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو التشاور مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنسيق أي تحرك عسكري محتمل، في وقت تحاول فيه واشنطن استنزاف كل المسارات الدبلوماسية لتفادي انفجار حرب جديدة على الحدود الشمالية، وهو ما يجعل الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة في تقرير مصير وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.