في تصعيد دموي جديد يفاقم المأساة الإنسانية في جنوب كردفان، عادت لغة المدافع لتخطف أرواح المدنيين العزل في مدينة الدلنج، التي تعيش تحت وطأة حصار خانق منذ أشهر. فقد استفاقت المدينة أمس على وقع قصف مدفعي عنيف استهدف الأحياء السكنية بشكل مباشر، مخلفاً 9 قتلى، بينهم 3 أطفال تحولت أجسادهم الغضة إلى أشلاء، في مشهد يعكس وحشية الصراع الدائر الذي لا يفرق بين ثكنة عسكرية ومنزل آمن.

 

هذا الهجوم، الذي نُسب إلى قوات الحركة الشعبية/شمال بقيادة عبد العزيز الحلو المتحالفة مع الدعم السريع، يأتي كجزء من موجة عنف متصاعدة تضرب إقليم كردفان، حيث تحاول الأطراف المتحاربة كسر الجمود العسكري على حساب دماء المواطنين، وسط نزوح عشرات الآلاف وغياب أي أفق للحل السياسي.

 

مجزرة في "الدلنج": المدنيون في مرمى النيران

 

وفقاً لما وثقته "منصة جبال النوبة" غير الحكومية، تعرضت مدينة الدلنج لقصف مدفعي مكثف استهدف مناطق مأهولة بالسكان، بعيداً عن أي أهداف عسكرية واضحة. الحصيلة الأولية كانت مفجعة؛ 6 مواطنين و3 أطفال قضوا نحبهم، بينما اكتظت المستشفيات المتهالكة بالجرحى. وأشارت المنصة إلى أن القذائف تساقطت عشوائياً على المنازل، مما حول حياة السكان المحاصرين أصلاً إلى جحيم، وأجبر العديد منهم على البحث عن ملاذات آمنة شبه مستحيلة في ظل الحصار المطبق.

 

ولم يتوقف الأمر عند القصف؛ فقد رد الجيش السوداني بشن هجوم مضاد على منطقة "التيتل" التي انطلقت منها القذائف، معلناً السيطرة عليها في محاولة لإسكات مصادر النيران وتأمين المدينة. ورغم عدم صدور تعليق رسمي فوري من الأطراف المتنازعة، إلا أن هذا الاشتباك يؤكد أن "معركة كردفان" قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد المفتوح.

 

حصار مزدوج ومعاناة لا تنتهي

 

ما يحدث في الدلنج ليس حدثاً معزولاً، بل هو جزء من مأساة مستمرة تعيشها ولاية جنوب كردفان. فمدينتا كادوقلي والدلنج ترزحان تحت حصار مزدوج تفرضه قوات الدعم السريع ومقاتلو الحركة الشعبية/شمال منذ الشهور الأولى للحرب. هذا الحصار قطع شريان الحياة عن مئات الآلاف من السكان، وترافق مع هجمات متكررة بالطائرات المسيرة والمدفعية، مما جعل الحصول على الغذاء والدواء ضرباً من المستحيل.

 

التحالف الميداني بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية في هذه الجبهة أضاف تعقيداً جديداً للمشهد، حيث يجد الجيش السوداني نفسه يقاتل على جبهات متعددة في وقت واحد، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر لهذا التنسيق العسكري الذي يهدف للسيطرة على المواقع الاستراتيجية في الإقليم الغني بالموارد.

 

كردفان تشتعل.. وخريطة الصراع تتوسع

 

على صعيد التطورات الميدانية الأوسع حتى اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025، تشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب) اشتباكات هي الأعنف منذ أسابيع. قوات الدعم السريع تحاول توسيع نفوذها لربط مناطق سيطرتها في دارفور بوسط السودان، بينما يستميت الجيش في الدفاع عن مواقعه للحفاظ على طرق الإمداد وتأمين العمق الاستراتيجي للبلاد.

 

هذه المعارك المحتدمة أسفرت عن موجات نزوح جماعي جديدة، تضاف إلى الـ 13 مليون نازح الذين خلفتهم الحرب منذ اندلاعها في أبريل 2023. وفي ظل استمرار سيطرة الدعم السريع على معظم ولايات دارفور، وسيطرة الجيش على الشمال والشرق والخرطوم، يبدو أن كردفان قد تحولت إلى "بيضة القبان" التي يسعى كل طرف لكسرها لصالحه، مما ينذر بمزيد من الأيام الدامية للسودانيين الذين فقدوا الأمان في وطنهم.