في ضربة إعلامية وسياسية مدوية، بثّت قناة "Arte" الأوروبية فيلماً وثائقياً فرنسياً-ألمانياً بعنوان «السيسي: فرعون مصر الجديد»، والذي جاء كصفعة قوية لرواية "الإنجازات" التي يسوقها نظام الانقلاب، مقدماً للعالم صورة مغايرة وقاتمة للواقع المصري تحت حكم عبد الفتاح السيسي.

 

الفيلم، الذي أنتج في عام 2025 وأخرجه كلير بيليت وناديا بليتري، لا يكتفي بالنقد السياسي، بل يغوص في عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، موثقاً كيف أصبحت مصر "أكثر استبداداً وتفاوتاً" مما كانت عليه في عهد مبارك، وكيف يفرط "الفرعون الجديد" في مستقبل البلاد ومقدراتها مقابل مشاريع ضخمة "وهمية" تخفي وراءها جبلاً من الديون وشعباً مطحوناً بالفقر.

 

الفيلم، الذي أثار جدلاً واسعاً فور بثه، يمثل "فضيحة موثقة" بالصوت والصورة، حيث يطرح السؤال الأهم: إلى متى يمكن لثالث أكثر دول العالم مديونية لصندوق النقد الدولي أن تتجنب الانهيار التام؟

 

العاصمة الإدارية: "سراب" في الصحراء يخفي شعباً على حافة الجوع

 

يركز الفيلم على التناقض الصارخ الذي يعيشه النظام؛ فبينما يفتتح السيسي "عاصمته الإدارية الجديدة" بعروض عسكرية مهيبة، كأنها مدينة مستوحاة من دبي، يعيش أكثر من 40% من المصريين تحت خط فقر لم تعد الحكومة تجرؤ حتى على حسابه رسمياً.

 

يكشف الوثائقي كيف تضاعف الدين الخارجي أربع مرات خلال عقد من حكم السيسي، وأن هذه المشاريع الفخمة لا تُبنى من فوائض اقتصادية، بل من قروض من صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج.

 

وتؤكد مقاطع متداولة على منصات التواصل مدى انتشار الفيلم وتأثيره، حيث شاركت منصات مثل قناة الشرق وتكنوقراط مصر ورصد مقاطع منه، مشيرة إلى كيف يصور الفيلم هذه المشاريع كواجهة زائفة تخفي وراءها تضحية الدولة بخدمات الصحة والتعليم والدعم.

 

 

..

 

..

 

الجيش يبتلع الدولة.. "اقتصاد البيادة" يدمر مصر

 

ينتقل الفيلم إلى فضح هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد المصري، موضحاً أنها لم تعد مجرد مؤسسة دفاعية، بل تحولت إلى "إمبراطورية اقتصادية" تسيطر على كل شيء، من قناة السويس والموانئ إلى بناء الطرق والجسور وحتى الصناعات الغذائية.

 

ويظهر الوثائقي أن منطق "السرعة مهما كان الثمن" الذي تتبناه "الهيئة الهندسية" هو منطق عسكري لا علاقة له بدراسات الجدوى الاقتصادية، وهو ما يفسر إهدار المليارات على مشاريع غير ذات أولوية.

 

كما يفضح الفيلم آلية بقاء السيسي في السلطة، التي تعتمد على إثراء كبار ضباطه وتوزيع "كعكة الاقتصاد" عليهم لضمان ولائهم، حتى لو كان ذلك على حساب القطاع الخاص المدني وتدمير بيئة الاستثمار الحقيقية.


 

وقد تفاعل إعلاميون مع هذه النقطة بالتحديد، حيث أشار الدكتور محمد الجاويش إلى خطورة هذه الهيمنة العسكرية التي كشفها الفيلم، معتبراً إياها السبب الرئيسي لانهيار الاقتصاد وتفاقم الديون.

 

 

دولة القمع والخوف.. صفقات مع أوروبا لوقف الهجرة

 

الفصل الأكثر إيلاماً في الوثائقي هو شهادات المواطنين العاديين الذين يظهرون بهويات مخفية، خوفاً من بطش الأجهزة الأمنية. يتحدثون عن اليأس وغياب الأمل وانهيار مستوى المعيشة، في مشاهد صادمة تكشف حجم الرعب الذي يعيشه المصريون.

 

كما يعرض الفيلم شهادات لمعتقلين سابقين ومشاهد مسربة من داخل السجون، ليوثق "الاستهتار التام" بحقوق الإنسان الذي يمارسه النظام.

 

ويوجه الفيلم نقداً لاذعاً للموقف الأوروبي، الذي يغض الطرف عن كل هذه الجرائم مقابل صفقة واحدة: أن يمنع السيسي تدفق المهاجرين اليائسين إلى شواطئ أوروبا.

 

ويختم الوثائقي بطرح سؤال مفتوح، تساءل عنه أيضاً الصحفي أحمد عطوان في تعليقه: هل سترد السلطات المصرية على ما ورد في الفيلم، أم أنها ستلجأ كالعادة إلى نظرية "المؤامرة الخارجية" لتبرير فشلها؟

 

 

 

وقد سلطت منصات إخبارية الضوء على هذا البعد، مشيرة إلى أن الفيلم يضع أوروبا في حرج، إذ يبدو أنها تمول ديكتاتوراً مقابل منع الهجرة، مما يثير تساؤلات أخلاقية حول سياساتها.

 

 

 

يمكن مشاهدة الفيلم أو قراءة مراجعات عنه عبر الضغط هنــــــــــــا