وصف تقرير أممي رسمي صفقة الغاز بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، البالغة قيمتها نحو 35 مليار دولار، بأنها انتهاك صريح للقانون الدولي و«إشارة مذهلة على دعم إسرائيل خلال حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين»، في وقت تسوّق فيه حكومة الانقلاب الصفقة على أنها «تجارية بحتة» و«لا تحمل أبعادًا سياسية». هذا التناقض بين الإدانة الأممية والتبرير الرسمي المصري دفع عددًا من الخبراء والمحللين العرب لوصف الاتفاق بأنه «تمويل مباشر للإبادة» و«خيانة مزدوجة للهوية ولدماء غزة».

 

إدانة أممية صريحة: انتهاك للقانون الدولي وتمويل للإبادة

 

المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، أكدت أن صفقة الغاز الموقعة بين مصر والاحتلال تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، بما في ذلك الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024، الذي شدد على عدم جواز تقديم أي دعم مادي أو اقتصادي لدولة تمارس الإبادة الجماعية. ووصفت ألبانيزي الصفقة بأنها «إشارة مذهلة على دعم إسرائيل خلال حرب الإبادة»، مشددة على أن توصيفها كصفقة «تجارية» لا يلغي أبعادها القانونية والأخلاقية، ومؤكدة أن الدول يجب أن تتوقف عن وضع الأرباح فوق الإنسانية.

 

الخبير الاقتصادي ممدوح الولي يرى أن أخطر ما في الصفقة هو أنها تأتي في لحظة تُطالب فيها محكمة العدل الدولية بوقف كل أشكال الدعم للاحتلال، ما يجعل مصر – في صورتها الرسمية – في موقع «الشريك المالي» لنتنياهو، لا الجار المتضامن مع غزة. ويشير الولي إلى أن إعلان نتنياهو بأن 58 مليار شيكل من عائدات الصفقة ستذهب مباشرة إلى خزينة الاحتلال، يكشف بجلاء أن كل متر مكعب من الغاز المصري–الإسرائيلي هو رصاص إضافي في جسد الشعب الفلسطيني.

 

القاهرة تتهرّب بالشركات الخاصة.. والخبراء: «تجارة» مغطاة بقرار سياسي

 

الهيئة العامة للاستعلامات في مصر أصدرت بيانًا تقول فيه إن الصفقة «أبرمت بين شركات طاقة خاصة ووفقًا لقواعد السوق، ومن دون تدخل حكومي مباشر»، وإنها «صفقة تجارية بحتة لا تتضمن أي أبعاد سياسية»، بل «تخدم مصلحة استراتيجية لمصر كمركز إقليمي وحيد لتجارة الغاز». لكن هذه الرواية الرسمية تتهاوى بالكامل أمام اعتراف نتنياهو نفسه بأن حكومته وافقت على الصفقة واعتبرها «أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل»، وأنه سبق أن أوقف تنفيذها في سبتمبر الماضي مشترطًا موافقته الشخصية بسبب خلافات سياسية مع القاهرة حول ترتيبات سيناء.

 

المحلل السياسي ياسر الزعاترة يصف هذا التناقض بأنه «استخدام مفضوح لغطاء الشركات الخاصة لإخفاء قرار سياسي استراتيجي»، مشيرًا إلى أن أي صفقة بهذا الحجم، وفي ملف حساس كالغاز والطاقة، لا يمكن أن تتم دون ضوء أخضر حكومي كامل، بل وتنسيق أمني عميق. ويرى الزعاترة أن محاولة النظام تصوير الأمر كأنه مجرد «استثمار عادي» ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والعربي، بينما تدرك تل أبيب والعواصم الغربية أن الاتفاق هو تثبيت لشراكة استراتيجية مع الاحتلال في قلب لحظة الإبادة.

 

مراد علي وسالي صلاح: الغاز ليس سلعة محايدة.. إنه «دم مالي» يتدفق إلى خزائن الاحتلال

 

يرى الدكتور مراد علي أن خطورة الصفقة ليست في حجمها المالي فقط، بل في رمزيتها: «نظام يعلن نفسه وسيطًا للغاز في شرق المتوسط، بينما يتحول فعليًا إلى قناة تمويل لآلة حرب تمارس الإبادة في غزة». ويؤكد أن الحديث عن «مركز إقليمي للغاز» يصبح فارغًا من أي مضمون أخلاقي حين يكون الثمن هو بيع غطاء عربي–إسلامي لاحتلال متهم رسميًا بجرائم إبادة وتهجير قسري.

 

أما الباحثة في الاقتصاد السياسي الدكتورة سالي صلاح فترى أن الصفقة «تسقط آخر أوراق التوت عن خطاب النظام حول دعم القضية الفلسطينية»، موضحة أن استثمارات الغاز بهذا الحجم لا تُعد تجارة محايدة، بل جزءًا من «شبكة القوة الصلبة» التي تمكّن إسرائيل من مواصلة حربها بلا ثمن اقتصادي حقيقي. وتلفت إلى أن 35 مليار دولار من الغاز تُترجم إلى قدرة أكبر على تمويل الجيش، وتخفيف تأثير المقاطعة، وتثبيت جاذبية سوق الطاقة الإسرائيلي للمستثمرين الدوليين، وكل ذلك يتم بغطاء من دولة عربية كبرى.

 

نظام المهداوي: القاهرة في موقع المتهم لا الوسيط.. والمجتمع الدولي يسجل

 

الكاتب والصحفي نظام المهداوي يشير إلى أن أخطر ما في موقف ألبانيزي هو أنه يُدخل مصر رسميًا في «سجل الدول التي تخرق واجب عدم المساعدة في جرائم الإبادة»، كما ورد في فقه محكمة العدل الدولية. ويرى أن تل أبيب استغلت الحاجة المالية القاهرة لنظام الانقلاب، لتنتزع منه صفقة تُستخدم لاحقًا كدليل على أن «العالم العربي يتعامل مع إسرائيل كشريك طبيعي حتى في أوج الإبادة»، وهو ما يضعف أي مسعى قانوني أو سياسي لمحاسبة الاحتلال.

 

ويضيف المهداوي أن الإشارة إلى معاهدة السلام 1979 واتفاقيات كامب ديفيد في سياق الخبر ليست تفصيلاً تاريخيًا، بل تذكير بأن هذا المسار – الذي بدأ بـ«تطبيع العلاقات» – وصل الآن إلى مرحلة «التشابك الاقتصادي في قلب جرائم الحرب»، ما يجعل السؤال عن جدوى هذا السلام مشروعًا أكثر من أي وقت مضى.

 

في المحصلة، لا تتعلق صفقة غاز القاهرة–تل أبيب بمجرد أرقام واستثمارات، بل بإعادة تعريف موقع مصر الأخلاقي والتاريخي في لحظة تُقصف فيها غزة ليل نهار. إدانة الأمم المتحدة، وقراءة خبراء كمراد علي، والزعاترة، والولي، وسالي صلاح، ونظام المهداوي، تؤكد أن ما يجري ليس «إدارة ملف طاقة»، بل انزلاق خطير إلى موقع «الشريك في الجريمة»، حيث يتحول الغاز إلى دمٍ سائل يُضَخُّ في شرايين الاحتلال بينما يُطالب الشعب بالصمت باسم «المصلحة القومية» و«المركز الإقليمي للغاز».