رغم نفي المتحدث باسم مجلس الوزراء، محمد الحمصاني، صدور أي قرار حكومي برفع أسعار بيع الكهرباء اعتبارًا من يناير المقبل، بدعوى الحفاظ على المسار النزولي لمعدلات التضخم، تتصاعد مؤشرات رسمية وبرلمانية تؤكد أن زيادة أسعار الكهرباء، خاصة للاستخدام المنزلي، باتت مسألة وقت، في ظل التزامات الحكومة مع صندوق النقد الدولي.

 

التزامات دولية تفرض مسار الزيادة

 

أكد رئيس لجنة الطاقة والبيئة في مجلس الشيوخ ووزير البترول السابق، أسامة كمال، أن هناك زيادة مرتقبة في أسعار الكهرباء للمنازل، ترتبط مباشرة باتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي، والذي يستهدف الوصول إلى مرحلة استرداد التكاليف الحقيقية لإنتاج الكهرباء. وأوضح كمال، في تصريحات إعلامية على هامش انعقاد مجلس الشيوخ، أن الحكومة تبيع الكهرباء للمواطنين بأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية.

 

تكلفة الإنتاج وأسعار الغاز المستورد

 

وأشار كمال إلى أن الدولة تستورد الغاز اللازم لتوليد الكهرباء من شركات أجنبية بأسعار تفضيلية تتراوح بين 13 و14 دولارًا للمليون وحدة حرارية، ما يرفع من تكلفة إنتاج الكهرباء، في حين لا يتحمل المستهلك سوى نحو نصف التكلفة الحقيقية، وهو ما يخلق فجوة مالية تسعى الحكومة إلى معالجتها عبر إعادة هيكلة الأسعار.

 

زيادات متوقعة حسب شرائح الاستهلاك

 

في السياق ذاته، رجّح مصدر مطلع في لجنة الطاقة بمجلس النواب بدء تطبيق زيادة أسعار الكهرباء المنزلية مع استهلاك شهر يناير، عقب انتهاء مهلة الستة أشهر التي أقرتها الحكومة لتثبيت الأسعار. وأوضح أن الزيادة المتوقعة ستتراوح بين 14.7% و25.8% وفقًا لشرائح الاستهلاك المختلفة، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بخفض دعم الطاقة وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء.

 

وبحسب المصدر، سترتفع أسعار الشرائح على النحو التالي:

 

  • الشريحة الأولى من 0.68 إلى 0.78 جنيه.

 

  • الثانية من 0.78 إلى 0.95 جنيه.

 

  • الثالثة من 0.95 إلى 1.09 جنيه.

 

  • الرابعة من 1.55 إلى 1.95 جنيه.

 

  • الخامسة من 1.95 إلى 2.10 جنيه.

 

  • السادسة من 2.10 إلى 2.23 جنيه.

 

  • السابعة من 2.23 إلى 2.45 جنيه، وفقًا لما نشره موقع "العربي الجديد".

 

دعم الطاقة ومأزق المراجعات مع الصندوق

 

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب حكومة السيسي بتغطية التكلفة الكاملة لأسعار بيع الطاقة، بما في ذلك الكهرباء المخصصة للاستخدام المنزلي، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لمعالجة الاختلالات الهيكلية في قطاع الطاقة. وفي هذا الإطار، أجرى وفد الصندوق مباحثات مطولة في القاهرة استمرت 11 يومًا، بهدف إنجاز المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التسهيل الممدد، البالغة قيمته ثمانية مليارات دولار.

 

وتعطلت المراجعتان لنحو خمسة أشهر نتيجة عدم التزام الحكومة بعدد من التعهدات، أبرزها إلغاء دعم الوقود والطاقة، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وضمان تكافؤ المنافسة بين القطاعين العام والخاص، وتسريع برنامج الطروحات الحكومية، إلى جانب مراجعة سياسات البنك المركزي المتعلقة بمرونة سعر الصرف والسيطرة على السيولة الدولارية وإدارة التدفقات المالية ومعدلات التضخم.

 

وفي سياق متصل، رفعت مصر أسعار الوقود في أكتوبر الماضي بنسب بلغت 12.9%، في سابع زيادة منذ توقيع اتفاق قرض صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022، وذلك بالتزامن مع مشاركة وفد حكومي في الاجتماعات السنوية للصندوق في واشنطن، والتي شهدت مفاوضات حاسمة حول مصير المراجعتين المعلقتين.

 

ويحتاج قطاع الكهرباء في مصر إلى نحو 110 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، بسعر يقترب من سبعة دولارات للمليون وحدة حرارية من الغاز المنتج محليًا. ووفق بيانات رسمية، خصصت الحكومة 75 مليار جنيه دعمًا إضافيًا لقطاع الكهرباء في موازنة العام المالي 2025–2026.

 

من جانبه، قدّر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، إجمالي الدعم السنوي الموجه لقطاع الكهرباء بنحو 170 مليار جنيه، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عالميًا، وزيادة الاعتماد على المازوت خلال فترات الضغط، وارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة واستيراد المعدات، خاصة في ظل تحرير سعر الصرف.

 

عبء شهري متصاعد

 

تعكس الزيادات المتتالية في أسعار الكهرباء مسارًا اقتصاديًا يُحمِّل المواطن المصري كلفة إصلاحات لا يملك أدوات مواجهتها، في ظل تآكل الدخول الحقيقية وارتفاع معدلات التضخم. فالكهرباء لم تعد خدمة أساسية مدعومة لحماية الحد الأدنى من المعيشة، بل تحوّلت تدريجيًا إلى عبء شهري متصاعد، يُضاف إلى فواتير الغذاء والنقل والسكن. وبينما تُبرَّر هذه الزيادات بمنطق “استرداد التكلفة” والالتزامات مع صندوق النقد الدولي، يغيب النقاش الجاد حول العدالة الاجتماعية وتوزيع الأعباء، خصوصًا أن غالبية الأسر لم تشهد أي تحسن مماثل في مستويات الأجور أو فرص الدخل.

 

الأخطر أن هذه الزيادات لا تأتي كإجراء استثنائي مؤقت، بل كسياسة متكررة تفتقر إلى رؤية واضحة لحماية الفئات الأكثر هشاشة. فرفع أسعار الكهرباء ينعكس مباشرة على تكاليف المعيشة والإنتاج معًا، ما يطلق موجات تضخم جديدة تمسّ الجميع، وتُفرغ وعود “خفض الدعم تدريجيًا” من معناها الاجتماعي. وبدلًا من معالجة أوجه الهدر وسوء الإدارة في قطاع الطاقة، أو إعادة هيكلة الأولويات الاقتصادية، يجري اللجوء إلى الحل الأسهل: تمرير الكلفة إلى المستهلك النهائي، في معادلة غير متوازنة تهدد الاستقرار الاجتماعي وتعمّق الفجوة بين السياسات الاقتصادية وواقع المواطن اليومي.