في اعتراف نادر من أحد أبرز رجال الأعمال المصريين، انقض رئيس مجلس إدارة أوراسكوم للاستثمار نجيب ساويرس على سياسات بيع الأصول الحكومية، متهماً حكومة الانقلاب بـ"التباطؤ" و"التصورات السعرية المبالغ فيها" التي تؤدي إلى فشل الطروحات، خاصة في مناطق وسط البلد وعلى ضفاف النيل، حيث تُباع مقدرات الشعب بأسعار زهيدة لسداد ديون متراكمة.
هذا النقد الحاد، الذي جاء خلال مؤتمر تنافسية الاقتصاد المصري، يكشف عن حالة من اليأس الاستثماري تجاه نظام يحول الخصخصة إلى "مزاد فاشل" يخدم مصالح ضيقة بدلاً من جذب رؤوس الأموال الحقيقية، وسط ارتفاع فوائد مدمرة يصفها ساويرس بأنها "نصف تكلفة العقارات".
بيع الأصول بـ"أسعار خيالية": فشل الطروحات وفقدان الثقة
انتقد ساويرس بشدة آليات طرح الأصول المملوكة للدولة، مشيراً إلى تباطؤ الحكومة في التنفيذ ووضع تصورات سعرية مبالغ فيها تمنع نجاح العمليات، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل وسط البلد وضفاف النيل، حيث تُباع أملاك الشعب بأقل من قيمتها الحقيقية لتمويل مشاريع فاشلة أو سداد ديون متراكمة. هذا الفشل ليس تقنياً، بل سياسياً؛ فالنظام يصر على الاحتفاظ بالسيطرة أو فرض أسعار "وهمية" تطرد المستثمرين، مما يحول عملية الخصخصة إلى مصدر إيرادات مؤقتة بدلاً من شريك تنموي دائم.
يأتي هذا في وقت تُعلن فيه الحكومة عن خطط طرح مطارات مثل الغردقة، لكن ساويرس يكشف الحقيقة: الطروحات تفشل لأنها تُدار بعشوائية، ولا تُقدم كراسات شروط واضحة أو تترك السعر لآليات السوق، بل تُفرض شروطاً تُقصي المنافسة الحقيقية. النظام الذي يبيع أصولاً استراتيجية بأسعار بخس ليس يُنقذ الاقتصاد، بل يُفرغه من محتواه، تاركاً المستثمرين يفضلون الإمارات أو العراق حيث الفرص أفضل والمخاطر أقل.
https://x.com/EconomyPlusAR/status/2002358087588487198
اهتمام ساويرس بمطارات مصرية: تحالف دولي أم اعتراف بضعف الإدارة الحكومية؟
كشف ساويرس عن اهتمامه الشديد بإدارة وتشغيل 3 مطارات مصرية، مع التقدم لمطار الغردقة ضمن تحالف مع شركتين بريطانية وفرنسية، بعد اتصالات رسمية تلقاها، مؤكداً دعمه القديم لفتح المطارات أمام القطاع الخاص لتحسين الكفاءة وتعظيم العائد السياحي. هذا الاهتمام ليس مصادفة؛ فهو اعتراف ضمني بفشل الإدارة الحكومية للمطارات، حيث تُدار كثكنات عسكرية لا كمراكز ربح، وسط تأخير في الصيانة وانخفاض الجودة يطرد السياح ويضعف الاقتصاد.
يؤكد ساويرس أهمية دعوة الشركات الكبرى للمنافسة بكراسات شروط شفافة، مع ترك السعر للسوق، لكن الحكومة تفشل هنا أيضاً؛ فبدلاً من جذب الاستثمارات العربية والأجنبية التي "تحب مصر" كما يقول، تُفرض شروطاً تُقصي المنافسة الحقيقية، مما يجعل الطرح مجرد "بيع جزئي" يحتفظ النظام فيه بالسيطرة دون تحسين حقيقي. هذا النموذج يُفقد مصر فرصاً ذهبية، حيث يفضل المستثمرون الاستثمار في الإمارات أو نقل تجاربهم إلى المغرب بدلاً من التعامل مع بيروقراطية عسكرية تُعيق كل خطوة.
فوائد "مدمرة" وسرقات في القطاع العام: ساويرس يرفض الشراكة مع الفساد
انتقد ساويرس ارتفاع أسعار الفائدة في مصر بشدة، واصفاً إياها بـ"المدمرة للقطاع"، مشيراً إلى أن نصف تكلفة العقارات "فائدة"، وهو ما يُشلّ القطاع الخاص ويجعل الاستثمار مستحيلاً. هذا النقد يضرب قلب سياسة النظام النقدية، التي تُبقي الفوائد مرتفعة لجذب رؤوس أموال ساخنة قصيرة الأجل، لكنها تُدمر الإنتاج المحلي وتُعيق النمو الحقيقي، مما يُفاقم التضخم ويُفقر المواطن.
أكثر قسوة كان رفضه التام لشراء أسهم في شركات عقارية حكومية، قائلاً: "نكتشف سرقات كبيرة بشركاتنا فما بالك بالقطاع العام"، في اتهام مباشر للفساد المنظم داخل الجهاز الحكومي، حيث تُدار الشركات كمزارع شخصية لا كمؤسسات وطنية. هذا التصريح يكشف لماذا يتوسع ساويرس خارج مصر – في الإمارات بـ15 مليار دولار، والعراق، والمغرب بنقل تجربة التوكتوك الكهربائي – مفضلاً بيئات استثمارية نظيفة على وطن يُدار بالفساد والجباية، تاركاً مصر تُفقد أبناءها الأكفاء والمستثمرين الحقيقيين.
في الختام، تصريحات ساويرس ليست مجرد نقد فني، بل إدانة لنظام حوّل مصر من وجهة استثمارية إلى "مزاد فاشل" يُباع فيه الوطن بأرخص الأثمان، وسط فوائد مدمرة وفساد يُشلّ القطاعات الحيوية. الاستثمار خارج الحدود أصبح الخيار الوحيد لمن يملكون الرؤية، بينما يُترك الشعب يدفع فاتورة إدارة فاشلة تُفضّل الاقتراض على الإنتاج، والبيع الرخيص على التنمية الحقيقية.

