في انتكاسة أمنية خطيرة هزت أركان الاستقرار الهش الذي تسعى سورية لترسيخه بعد سنوات من الصراع، استيقظت مدينة حمص، وسط البلاد، على وقع تفجير إرهابي غادر استهدف المصلين في مسجد "علي بن أبي طالب" بحي وادي الذهب أثناء صلاة الجمعة.
الجريمة التي حولت خشوع الصلاة إلى ساحة للدماء، أسفرت عن مقتل 8 مواطنين وإصابة 18 آخرين، في حصيلة ثقيلة أعادت للأذهان ذكريات سوداء من استهداف دور العبادة والمدنيين.
ويأتي هذا التفجير في توقيت حساس تمر به البلاد، حيث تتضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لتعزيز السلم الأهلي وملاحقة المتورطين في جرائم الحقبة السابقة، وهو ما يطرح تساؤلات ملحة حول الجهات التي تسعى لضرب هذا المسار عبر إشعال فتيل الفتنة الطائفية في مدينة تُعرف بتنوعها الديموغرافي والديني.
وبينما تتجه أصابع الاتهام نحو خلايا نائمة لتنظيمات متطرفة مثل "داعش"، توحدت المواقف المحلية والعربية في إدانة الجريمة، مؤكدة أن "الإرهاب لا دين له" وأن المستهدف هو "سورية الموحدة" وليس طائفة بعينها.
تفاصيل "الجمعة الدامية": عبوة ناسفة تغتال الطمأنينة
وفقاً لرواية وزارة الداخلية السورية وشهادات ميدانية، وقع الانفجار نتيجة عبوة ناسفة زُرعت بإحكام داخل حرم المسجد الواقع في شارع الخضري بحي وادي الذهب، الذي تقطنه غالبية من الطائفة العلوية. الانفجار وقع في ذروة تجمع المصلين، مما يفسر ارتفاع عدد الضحايا وتنوعهم.
وعلى الفور، فرضت قوى الأمن الداخلي طوقاً أمنياً مشدداً حول المنطقة وباشرت فرق الأدلة الجنائية تحقيقاتها لجمع الخيوط التي قد تقود للجناة، في حين سارعت سيارات الإسعاف لنقل المصابين إلى مشافي المدينة.
اللافت في هذا الهجوم، كما أكد الإعلامي أنس الخالد، هو طبيعة الضحايا الذين لم يقتصروا على لون طائفي واحد، بل شملوا سنة وشيعة وعلويين، مما يسقط فرضية الاستهداف الطائفي المباشر ويكشف عن الهدف الأخبث: "القتل العشوائي لإثارة الرعب والفتنة".
محافظ حمص، عبد الرحمن الأعمى، سارع بدوره لاحتواء الموقف، محذراً من الانجرار وراء الشائعات أو الاستنتاجات المسبقة، ومشدداً على أن حمص ستبقى "مدينة واحدة موحدة" عصية على محاولات التفتيت.
رسائل الإرهاب: استهداف "السلم الأهلي" والدولة
يرى مراقبون ومسؤولون سوريون أن هذا التفجير لا يمكن فصله عن السياق العام الذي تعيشه سورية.
فالهجوم يأتي بعد أشهر قليلة من استهداف كنيسة "مار الياس" بدمشق، وفي ظل تكثيف خلايا "داعش" لنشاطها مؤخراً، مما يشير إلى استراتيجية ممنهجة لضرب "الرموز الدينية" بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى.
مدير الإعلام الحكومي في حمص، سامر السليمان، وضع النقاط على الحروف بتأكيده أن المستفيد الوحيد من هذه الجريمة هي "أجندات وقوى تسعى للمساس ببنية المجتمع والدولة".
وأشار إلى أن لا مصلحة لأي سوري في هذا العمل، بل هو يخدم أطرافاً تريد عرقلة مسار التعافي الوطني الذي بدأ يترسخ عبر محاكمات علنية للمتورطين في أحداث سابقة، وجهود حثيثة لترميم النسيج الاجتماعي.
وزارة الخارجية السورية وصفت الهجوم بـ"الاعتداء الصارخ على القيم الإنسانية"، مؤكدة أن مثل هذه الجرائم "لن تثني الدولة عن مواصلة جهودها في ترسيخ الأمن".
تضامن إقليمي واسع: "أمن سورية خط أحمر"
على الصعيد الخارجي، كسر التفجير حواجز السياسة، حيث توالت الإدانات العربية والإقليمية التي أكدت وقوفها إلى جانب دمشق. المملكة العربية السعودية أعربت عن رفضها القاطع لاستهداف دور العبادة، مؤكدة دعمها لجهود الحكومة السورية في إرساء الأمن. وبنفس اللهجة القوية، أدانت دولة قطر الهجوم، مشددة على تضامنها مع إجراءات حفظ الأمن السوري.
حتى تركيا، الجارة الشمالية، أصدرت بياناً لافتاً أكدت فيه وقوفها إلى جانب سورية في سعيها لتعزيز استقرارها ووحدتها "رغم كل الاستفزازات". هذا الإجماع الإقليمي يعكس إدراكاً متزايداً لخطورة ترك الساحة السورية مرتعاً للتنظيمات الإرهابية، وضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية في حربها ضد التطرف، خاصة في ظل التعاون القائم بين دمشق والتحالف الدولي لملاحقة فلول "داعش".
في المحصلة، يبدو أن تفجير حمص، رغم قسوته ودمويته، قد حقق عكس ما أراده منفذوه؛ فبدلاً من أن يفرق السوريين، جمعهم على إدانة الإرهاب، وبدلاً من أن يعزل الدولة، جلب لها تضامراً إقليمياً واسعاً، لتبقى الرسالة الأهم هي أن طريق التعافي السوري، وإن كان محفوفاً بالمخاطر، فإنه ماضٍ بقرار داخلي ودعم خارجي لا رجعة فيه.

