يشهد سوق العقارات في مصر أزمة متفاقمة بسبب السياسات الاقتصادية التي تتبعها حكومة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والتي تتسبب في ارتفاع غير مسبوق لأسعار مواد البناء مثل الأسمنت والحديد، فضلًا عن رفع أسعار الفائدة المصرفية بشكل كبير، مما يجعل التمويل العقاري أكثر تعقيدًا وصعوبة. أدى قرار البنك المركزي المصري في مارس 2024 بتحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الفائدة بنسبة 6% دفعة واحدة إلى قفزة في أسعار الفائدة البنكية لتصل إلى 30%، وهو معدل غير مسبوق يؤثر سلبًا على القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها قطاع العقارات. تأثير رفع أسعار الفائدة على سوق العقارات أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تعقيد الحصول على التمويل العقاري بشكل كبير، ما اضطر المطورين العقاريين إلى تمديد فترة سداد الأقساط للمشترين لتصل إلى 7 أو حتى 10 سنوات. هذه الإجراءات جاءت في محاولة لتخفيف الأعباء المالية عن المشترين، ولكنها أدت في الوقت نفسه إلى تحميل الأقساط بتكاليف الفائدة المرتفعة، مما زاد من الأعباء المالية على المواطنين الباحثين عن وحدات سكنية. يرى العديد من المحللين أن هذا الوضع يفاقم الأزمة العقارية في مصر، حيث يرتفع سعر الوحدات السكنية بشكل غير مسبوق، مما يجعلها بعيدة عن متناول فئات كبيرة من المواطنين. وكنتيجة لذلك، يمكن أن تتسبب هذه الأزمة في إضعاف القدرة الشرائية للعملاء، ما يعقد معادلة العرض والطلب في السوق العقارية، ويؤدي إلى تفاقم الفجوة بين العرض والطلب في الوحدات السكنية. تحذيرات من فقاعة عقارية حذر الملياردير المصري نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة "أورا ديفلوبرز إيجيبت"، من خطورة الفقاعة العقارية المحتملة التي قد تواجه مصر في المستقبل القريب نتيجة لهذه السياسات. ساويرس أكد أن ارتفاع سعر الفائدة على القروض يمثل أكبر تحدٍ يواجه القطاع العقاري المصري، حيث يضطر المطورون إلى تحميل تكلفة الفائدة المرتفعة على المشترين، وهو ما يؤدي إلى زيادة غير منطقية في أسعار الوحدات السكنية. على سبيل المثال، ذكر ساويرس أن أسعار الشاليهات أو الشقق التي كانت تتراوح بين مليون إلى مليوني جنيه قد تصل الآن إلى 5 أو 10 ملايين جنيه. كما أشار إلى أن المطورين تحولوا بشكل غير رسمي إلى بنوك، حيث يقدمون للمشترين تسهيلات سداد تمتد إلى 6 أو 10 سنوات، ولكن تلك التسهيلات تأتي محملة بتكاليف فائدة مرتفعة تزيد من الأعباء المالية على المواطنين. الفائدة المركبة وتأثيرها على الأسعار من جانبه، أشار الرئيس التنفيذي لشركة "أبو سومة للتنمية السياحية" إبراهيم المسيري إلى أن الفائدة المركبة التي تُضاف على أقساط الوحدات العقارية تتسبب في زيادة أسعار العقارات بنحو 30 إلى 40%، وهو ما يثقل كاهل المشترين ويؤدي إلى تراجع الطلب على العقارات. وأوضح أن هذه الزيادة في الأسعار تؤثر بشكل مباشر على العملاء، الذين يتحملون تكاليف إضافية دون أي ضمانات بتحسن الظروف الاقتصادية. تحديات التمويل العقاري يرى الخبراء أن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من صعوبة الحصول على التمويل اللازم لتطوير المشروعات العقارية. ويعتمد المطورون على عدة مصادر لتمويل مشروعاتهم، منها توريق الشيكات أو التخصيم، ولكن هذه الوسائل التمويلية تتعرض لضغوط كبيرة نتيجة ارتفاع تكاليف الفائدة. ويتوقع أحمد عبدالله، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "ريدكون بروبيرتيز"، أن تتراجع أسعار الفائدة خلال العام المقبل مع تحسن الظروف الاقتصادية، مما سيساهم في تنشيط السوق العقارية. تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء إلى جانب ارتفاع الفائدة، تشهد مصر أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في أسعار مواد البناء مثل الأسمنت والحديد، نتيجة لعوامل داخلية وخارجية، بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الإنتاج. وتشكل تكاليف الوقود نحو 70% من تكلفة إنتاج الأسمنت، ما يعني أن أي زيادة في أسعار الوقود تؤدي بشكل مباشر إلى زيادة أسعار مواد البناء. مستقبل السوق العقاري يتوقع العديد من المطورين أن يشهد السوق العقاري المصري تحسنًا تدريجيًا في حال تراجعت أسعار الفائدة البنكية، ولكنهم يشيرون في الوقت ذاته إلى ضرورة التكيف مع الظروف الحالية من خلال تسريع وتيرة التنفيذ، وتقليل الاعتماد على القروض البنكية. وقد طالب نجيب ساويرس الحكومة بإعادة النظر في سياساتها النقدية وتخفيض أسعار الفائدة لضمان استمرارية المشروعات العقارية. في ظل هذه التحديات، تظل سوق العقارات في مصر تحت ضغوط شديدة بسبب السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة. ومع استمرار ارتفاع تكاليف الفائدة ومواد البناء، قد يواجه القطاع العقاري في مصر مستقبلًا صعبًا ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لتخفيف هذه الضغوط ودعم المطورين والمستثمرين.

