كان الهواء في القصر الرئاسي مشبعًا بمزيج غريب من الترقب والقلق. في السابع من ديسمبر 2024، وبينما كانت قوات المعارضة تواصل تقدمها نحو دمشق، كان موظفو القصر يسرعون في التحضير لخطاب تلفزيوني مرتقب لـ بشار الأسد. كان هذا الخطاب، الذي تم تحضيره بعناية، يأملون أن يقدّم طريقًا نحو حل سلمي للحرب الأهلية التي دامت 13 عامًا، وأن يكون طوق نجاة لدولة كانت على شفا الانهيار.

 

 

كانت أفكار المساعدين تدور بسرعة، حيث عملوا على صياغة رسالة تدعو إلى تقاسم السلطة والمصالحة مع المعارضة. قام طاقم من الإعلاميين بتجهيز الكاميرات والإضاءة، في تناقض صارخ مع القلق المتزايد الذي كان يخيم على قاعات الحكم. وكانت محطة التلفزيون الرسمية جاهزة لبث الرسالة التي تم تحضيرها بعناية للشعب السوري والعالم.

لكن، خلف هذا المشهد الظاهري من الفوضى المنظمّة، كانت تتكشف حقيقة أخرى. رغم العرض الخارجي للثقة، كانت هناك هالة من الهلاك تسيطر على الأجواء. كشف أحد المطلعين على تفاصيل النظام أن الأسد، المعروف بحكمه الحديدي وقمعه القاسي للمعارضة، أظهر هدوءًا غير طبيعي. لم يظهر عليه أي علامة من علامات الذعر التي كانت تعصف بالأمة.

وكان السرد الرسمي يشير إلى أن العاصمة محصنة ومستعدة لصد أي هجوم، وأن الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة شقيق الأسد، ماهر، تعمل على تعزيز الدفاعات. ومع ذلك، كانت هذه الصورة الظاهرة من القوة تخفي واقعًا يائسًا.

ومع حلول الغروب في دمشق، حدثت تطورات دراماتيكية. حيث خالف الأسد جميع التوقعات وابتعد عن العاصمة في عملية سرية. فقد طار إلى قاعدة عسكرية روسية في شمال سوريا، ثم انتقل إلى طائرة روسية متجهة إلى موسكو. وقد أكدت مصادر حكومية وأمنية من الشرق الأوسط هذه الهروب، ما أصاب مساعديه والأمة بالصدمة.

تجاوزت الخيانة هروب الأسد نفسه. فقد فر شقيقه ماهر، الذي كان مكلفًا بالدفاع عن العاصمة، وانضم إلى عدد من كبار الضباط العسكريين في هروبهم اليائس عبر الصحراء نحو العراق. وما زالت أماكن وجودهم غير معروفة، مما أضاف طبقة من الغموض إلى الوضع المتأزم.

وأدى خبر هروب الأسد إلى هزة كبيرة في القصر الرئاسي. فقد ترك المساعدون الذين قضوا ساعات في تحضير الخطاب التلفزيوني في حالة من الترقب، ينتظرون خطابًا لن يأتي أبدًا. ومع اقتراب منتصف الليل، بدأ يتضح لهم الواقع المروع – الرئيس قد غادر. فبدأت الفوضى تسود، وفر موظفو القصر في محاولة يائسة للنجاة. وترك بوابات القصر الرئاسي التي كانت تُعتبر حصنًا منيعًا مفتوحة على مصراعيها، ما كان بمثابة رمز مفجع لزوال النظام بشكل سريع وغير متوقع.

أطلق سقوط الأسد، الذي كان لسنوات رمزًا للطغيان والقمع، موجات من الفرح في جميع أنحاء البلاد. فقد دمرت الحرب الأهلية لسوريا التي استمرت 13 عامًا حياة مئات الآلاف من الأشخاص وشرّدت الملايين. كما أن النزاع لم يُدمّر البلاد فحسب، بل زعزع استقرار المنطقة بأسرها.

لكن، ورغم رحيل الأسد، لم يدخل البلد في مرحلة سلام واستقرار فورية. فقد تركت سنوات الحرب ندوبًا عميقة، وظلّ مستقبل سوريا غير واضح. كان على البلاد مواجهة مهمة شاقة تتمثل في إعادة البناء، والمصالحة بين الفئات المختلفة، والتعامل مع المشهد السياسي المعقد.

وقد كانت أحداث تلك الأسبوع من ديسمبر 2024 بمثابة تذكير قاسي بهشاشة السلطة والطبيعة غير المتوقعة للتاريخ. فالرئيس الأسد، الذي كان في وقتٍ ما رمزًا للقوة الثابتة، واجه نهاية سريعة ومذلة، ليترك وراءه أمة تتصارع مع عواقب سنوات من القمع.

https://www.nytimes.com/2024/12/21/world/middleeast/assad-regime-syria-final-days.html