بعد ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة يوم الأحد، ظهر عدد كبير من مقاتلي المقاومة في مدينة غزة خلال تسليم ثلاث مستوطنات كن أسيرات في القطاع، بحسب ما أفادت وكالة الأناضول.
شكل هذا المشهد صدمة لسطات الاحتلال الصهيوني، التي تعهدت بالقضاء على حركة المقاومة خلال حربها المستمرة منذ 15 شهرًا، والتي أسفرت عن استشهاد ما يقرب من 47 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 110700 آخرين منذ 7 أكتوبر 2023.
وكتب المحلل الصهيوني آفي يسخاروف في صحيفة يديعوت أحرونوت: "حتى بعد 15 شهرًا من الحرب، لا تزال حماس قائمة."
وأضاف: "على الرغم من أن حكومة بنيامين نتنياهو قالت إنها ستقضي على حماس، إلا أن الحركة لم تنجُ عسكريًا فحسب، بل حافظت أيضًا على حكمها."
وأشار إلى أن نتنياهو ووزرائه رفضوا لعدة أشهر مناقشة أي بديل جاد لحكم حماس، على الرغم من تحذيرات المسؤولين الأمنيين بأن هذه الحرب ستكون في النهاية بلا جدوى.
ووصف المحلل الصهيوني إعادة ظهور حماس بأنها "أكبر فشل في هذه الحرب".
كما وصف فشل حكومة الاحتلال في صياغة خطة "ما بعد الحرب" لغزة بأنه "إهمال إجرامي ومتعمد".
وقال: "لقد وصلنا إلى مرحلة ما بعد الحرب، وإن كان ذلك مؤقتًا، واستيقظت إسرائيل من كابوس إلى آخر. على الجانب الآخر من الحدود، تواصل حماس الحكم، وبناء الأنفاق، وتجنيد المزيد من الأشخاص."
سلطة سيادية
من جانبه، قال العميد أمير أفيفي، رئيس المنظمة غير الحكومية "هابثونيستيم" (الأمنيون)، إن السلطات الأمنية الصهيونية ركزت على تدمير كيان حماس العسكري واغتيال قادتها.
وأضاف في حديث لصحيفة معاريف: "إلى جانب القضاء على بعض قادة حماس، لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإسقاط الحركة كسلطة حاكمة".
وأشار إلى أنه "على الرغم من أننا تسببنا في أضرار جسيمة لمخزون الذخيرة الخاص بهم، إلا أن حماس لا تزال تُعتبر السلطة السيادية سياسيًا وفي أعين السكان الفلسطينيين في غزة".
كما عبر المحلل العسكري عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس عن رأي مماثل، حيث قال: "في وسط مدينة غزة، على بعد عدة كيلومترات من حيث كانت القوات الإسرائيلية تعمل حتى قبل أيام قليلة، ظهر مئات المسلحين. يبدو أن حماس كانت تستعرض قوتها العسكرية وتطمح إلى إعادة تأسيس الحكومة المدنية."
لكنه أضاف: "لكن هذا ليس أمرًا محسومًا بعد؛ فقد تكون هناك ترتيبات أخرى لمستقبل قطاع غزة في الأشهر المقبلة."
وأوضح أن "حماس سعت يوم الأحد إلى استعراض قوتها مع انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من نقاط التماس عبر قطاع غزة".
واقع قاتم
وقلل هرئيل من أهمية تهديدات نتنياهو باستئناف الحرب على غزة بعد المرحلة الأولى من الاتفاق الممتد لستة أسابيع، واصفًا إياها بأنها "نظرية إلى حد كبير".
وقال: "الحديث عن استئناف الحرب، المتوقع أن يحدث في نهاية المرحلة الأولى بعد ستة أسابيع، أصبح نظريًا إلى حد كبير. القرار الآن بيد ترامب".
واختتم هرئيل تحليله بواقعية قاتمة: "الحقيقة المحزنة هي أن إسرائيل خسرت الحرب إلى حد كبير في 7 أكتوبر 2023."
فشل في تحقيق الأهداف المعلنة
ووفقًا للمحللين، فشلت قيادة الاحتلال الصهيوني إلى حد كبير في تحقيق أهدافها المعلنة خلال حرب غزة، بما في ذلك إعادة أسراها وتفكيك قدرات حماس.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته أنتوني بلينكن، خلال كلمة ألقاها في المجلس الأطلسي في واشنطن يوم 14 يناير: "لقد أوضحنا منذ فترة طويلة للحكومة الإسرائيلية أن هزيمة حماس لا يمكن تحقيقها بحملة عسكرية فقط".
وأضاف: "هذا بالضبط ما حدث في شمال غزة منذ 7 أكتوبر. في كل مرة تكمل إسرائيل عملياتها العسكرية وتنسحب، تعيد حماس تجميع صفوفها وتظهر مجددًا لأنه لا يوجد بديل آخر يملأ الفراغ. في الواقع، نقدر أن حماس جندت عددًا من المقاتلين الجدد يعادل تقريبًا عدد الذين فقدتهم. هذه وصفة لحرب دائمة وانتفاضة مستمرة."
اتفاق وقف إطلاق النار وأزمة إنسانية مستمرة
يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار المكون من ثلاث مراحل في غزة تبادل الأسرى وتهدئة مستمرة، بهدف التوصل إلى هدنة دائمة وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع.
لكن حرب الاحتلال خلفت أكثر من 11 ألف مفقودًا، إلى جانب دمار واسع وأزمة إنسانية خطيرة، مما أدى إلى استشهاد العديد من كبار السن والأطفال في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية العالمية على الإطلاق.