منذ تولي استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة في مصر عام 2014 بعد انقلاب عسكري في العام السابق، شهدت البلاد تحولات عميقة في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

على الرغم من التدهور الواضح في جميع المجالات، إلا أن الشعب المصري لم يثر ضد نظامه، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الاستقرار.

في المجال الأمني، اعتمد السيسي على رقابة إعلامية صارمة، وسيطرة على السلطة القضائية، واعتقالات واسعة لشخصيات معارضة. ولضمان السيطرة على الجيش، اتبع سياسة النقل الدوري لضباط الجيش لتجنب ظهور ولاءات شخصية أو مراكز قوى.

استفاد السيسي من دروس الماضي، مثل التوترات بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس أركانه عبد الحكيم عامر، وطول مدة وزارة الدفاع لمحمد حسين طنطاوي في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مما أتاح له بناء شبكات من القوة ولعب دور في الإطاحة بمبارك في 2011.

تعتمد سيطرة السيسي على السلطة على خمسة ركائز رئيسية: استخدام الاستخبارات العسكرية كأداة أمنية، استبدال الأحزاب السياسية بالائتلافات، إقامة هياكل بديلة للبيروقراطية الرسمية، منح الجيش سيطرة واسعة على الاقتصاد، وفرض قوانين لتهميش المعارضة.

بدأت هيمنة الاستخبارات العسكرية بشكل جاد بعد ثورة 2011، حيث بدأ دورها في الشؤون العامة التي كانت تديرها عادة جهاز المخابرات العامة.

بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ركز السيسي على تفكيك الولاءات داخل جهاز المخابرات العامة ونقل مسؤولياته إلى الاستخبارات العسكرية.
هذا أتاح له تحييد جهاز المخابرات العامة، الذي كان يمكن أن يعارضه. تم تعيين عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات السابق، للإشراف على جهاز المخابرات العامة، مما سهل عملية تطهير المسؤولين الكبار.
 

التدهور الاقتصادي
   
كانت إعادة الهيكلة ناتجًا عن المخاوف من تسريب المعلومات المتعلقة بسيطرة القطاع الأمني على الإعلام، واتهامات بتورطها في محاولة اغتيال وزير الدفاع ووزير الداخلية المصريين في 2017.
كما ظهرت اتهامات بدعم جهاز المخابرات العامة للمرشح الرئاسي السابق سامي عنان، ومعارضة بعض القرارات الهامة مثل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

في النهاية، عين السيسي ابنه في منصب بارز داخل جهاز المخابرات العامة، مما عزز من السيطرة العائلية، وأعاد تعيين ابن آخر للإشراف على قطاع الاتصالات.

في المجال الاقتصادي، قام السيسي بتوسيع دور الجيش ليشمل العديد من القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية وإنتاج الغذاء.
هذه التحولات جعلت الجيش العمود الفقري للدولة، ليس فقط كقوة أمنية ولكن أيضًا كلاعب اقتصادي رئيسي.

من خلال احتكار المشاريع الاقتصادية وتهميش القطاع الخاص، أدت سياسات السيسي إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي.

على عكس نظام مبارك الذي اعتمد على الخصخصة والاستثمار الأجنبي، والقطاع الخاص الذي ساهم في خلق فرص العمل، أدت سياسات السيسي إلى تدهور هذه العناصر.
وكان نظام مبارك يحافظ على توازن دقيق بين الجيش ورجال الأعمال والنخبة البيروقراطية، مما سمح للطبقة الوسطى بالتكيف مع التطورات السياسية والاجتماعية.

أما تحت حكم السيسي، فقد أدت المشاريع الضخمة غير المدروسة، إلى جانب إجراءات التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الدين العام.

على الصعيد السياسي، أظهر السيسي ازدراءً واضحًا للأحزاب السياسية، مفضلًا الائتلافات التي تنظمها الأجهزة الأمنية؛ ومثله مثل عبد الناصر الذي حل الأحزاب السياسية في أيام حكمه الأولى في الخمسينيات، فإن السيسي يعارض المنظمات السياسية بشكل علني.
ويتجلى ذلك في الاعتقالات التي طالت زعماء سياسيين شرعيين مثل عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية.

لكن الائتلافات التي شكلها السيسي تفتقر إلى التماسك التنظيمي الذي شهده "الحزب الوطني الديمقراطي" السابق.
كان الحزب الوطني يطور شبكات من الولاءات بين النخب السياسية والاقتصادية، وكان يشكل درعًا سياسيًا للحكومة، ويعمل كوسيط بين الدولة والمجتمع.

لم يتمكن السيسي من بناء نظام مماثل، مما تركه دون قاعدة سياسية قادرة على إدارة الرأي العام أو إجراء الانتخابات بشكل فعال.
ونتيجة لذلك، فإن العمليات السياسية، بما في ذلك التعديلات الدستورية والانتخابات، تُعتبر على نطاق واسع غير شرعية ويفتقر إلى المهنية.
 

التهديدات الأمنية
   على الصعيد الدولي، أدت سياسات السيسي إلى الإضرار بأمن مصر القومي وعمقها الاستراتيجي.
فقد جاء تحالفه مع دول الخليج، وخاصة الإمارات، على حساب مصالح مصر على المدى الطويل.
كما يُظهر دعمه للجنرال المتمرد خليفة حفتر في ليبيا كيف أن التدخلات الإقليمية قد تعرض أمن مصر للخطر.

علاوة على ذلك، فقد أضعفت التنازلات التي قدمها السيسي بشأن حصة مصر التاريخية في مياه النيل، وتحويل جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، مكانة مصر الإقليمية.

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد تخلت مصر عن دورها القيادي التاريخي، واعتمدت موقفًا هامشيًا يقتصر على الوساطة دون الحياد.
كما أن تحالف السيسي مع الإمارات التي تقود جهود التطبيع في المنطقة قد قلل من مصداقية مصر كمدافع عن حقوق الفلسطينيين.

تعقَّدت الأمور الداخلية لمصر بسبب التدخلات الخارجية مثل سد النهضة الإثيوبي مما جعل مصر عاجزة عن حل التحديات الاستراتيجية بشكل مستقل، وجعلها عرضة للضغوط الخارجية.

وسط تزايد الاستياء الشعبي، قد تتشكل عدة سيناريوهات لمستقبل مصر؛ إذا استمر السيسي في سياساته الحالية (بيع الأصول الاستراتيجية- تنفيذ إجراءات التقشف- وقمع المعارضة) فقد يتم تجنب الانتفاضات الفورية، لكن ذلك سيجلب معه خطر الاستقرار على المدى الطويل.

ثانيًا، قد يتدخل الجيش لمنع المزيد من التدهور الاقتصادي، إما من خلال اتفاق مفاوض مع السيسي أو من خلال انقلاب عسكري.
وقد يضطر الجيش إلى اتخاذ إجراءات بعد الضغوط من صندوق النقد الدولي لزيادة الشفافية في الشركات المملوكة للجيش، حيث يواجه الجيش تحديات في التوفيق بين هذه المطالب ومصالحه.

وأخيرًا، قد نشهد احتجاجات جماهيرية تؤدي إلى تغيير. وإذا استمرت الصعوبات الاقتصادية، فقد يؤدي ذلك إلى انتفاضة جديدة تجبر الجيش على التدخل وإزالة السيسي.
لكن مكانة الجيش العامة المنخفضة تعقّد قدرته على استعادة الاستقرار.

تميزت فترة حكم السيسي بتراكم السلطة الاستبدادية، وسوء الإدارة الاقتصادية، وتراجع النفوذ الإقليمي. ستؤدي هشاشة نظام السيسي الهيكلية إلى انهياره في النهاية، مما يترك مصر عند مفترق طرق في التحول السياسي والاجتماعي العميق.
https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-sisis-decade-failure-could-spur-his-political-demise-how