تشهد مصر أزمة نقص حادة في الأدوية منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث ارتبطت هذه الأزمة بشكل وثيق بأزمة نقص الدولار وارتفاع تكاليف الاستيراد، وعلى الرغم من استقرار سعر الصرف منذ منتصف العام الماضي، إلا أن سوق الدواء لا يزال يعاني من اضطرابات حادة تؤثر بشكل مباشر على المرضى، لا سيما المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري والأورام، الذين يقدر عددهم بالملايين.
ارتفاع أسعار الأدوية ونقص الأمبولات الضرورية
من بين الأدوية الأكثر تضررًا في الأزمة الحالية "أمبولات الصبغة" التي تحتاجها مستشفيات الأمراض الصدرية لإجراء الأشعة، حيث ارتفع سعر الأمبول من 300 جنيه قبل ثلاث سنوات إلى 3000 جنيه في السوق السوداء، في حين أن السعر الرسمي له لا يتجاوز 1700 جنيه.
وتشير مصادر مطلعة في هيئة الدواء إلى أن الصعوبات الرئيسية تكمن في توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد هذه الأمبولات، مما أدى إلى نقص شديد في المستشفيات الحكومية التي يعتمد عليها المرضى.
فساد وسوق سوداء تسيطر على المشهد
يرجع بعض المراقبين جزءًا من الأزمة إلى عمليات فساد واسعة النطاق، حيث تتسرب شحنات الأدوية المستوردة إلى المستشفيات الخاصة التي تبيعها بأسعار باهظة، بينما تعاني المستشفيات الحكومية من نقص حاد في الإمدادات، ويؤكد خبراء أن السوق السوداء أصبحت الخيار الوحيد أمام المرضى الذين يعجزون عن الحصول على الأدوية الأساسية عبر القنوات الرسمية.
تحركات برلمانية للمطالبة بالشفافية
في محاولة لمعالجة الأزمة، تقدمت النائبة إيفلين متى بطلب إحاطة إلى وزير الصحة للمطالبة بتوضيح أسباب نقص الأدوية وانتشار السوق السوداء، كما تساءلت عن أسباب استمرار تصدير الأدوية رغم العجز في السوق المحلي، وأكدت النائبة أن الوضع الحالي يهدد صحة الملايين من المصريين ويستلزم إجراءات فورية لضبط سوق الدواء.
زيادة الأسعار لم تكن الحل.. والمرضى يدفعون الثمن
رغم محاولات الحكومة التخفيف من حدة الأزمة عبر رفع أسعار أكثر من 3000 نوع من الأدوية، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة، بل زادت من معاناة المرضى الذين أصبحوا عاجزين عن تحمل التكاليف الباهظة للعلاج، وتشير التقارير إلى أن 50% من الأدوية التي تعاني من نقص شديد تتعلق بأمراض مزمنة، ما يضع حياة المرضى في خطر.
أزمة المواد الخام وتأخر دورة الإنتاج
تعاني مصانع الأدوية المحلية من صعوبات كبيرة في استيراد المواد الخام، حيث يتم استيراد 95% من المواد الفعالة من الخارج، ويؤدي نقص العملة الصعبة إلى تأخر دورة الإنتاج التي تستغرق من ثلاثة إلى خمسة أشهر، ما يزيد من تفاقم الأزمة.
هيئة الشراء الموحد في دائرة الاتهام
تواجه هيئة الشراء الموحد، المسؤولة عن استيراد الأدوية، انتقادات حادة بسبب تراكم الديون على شركات الأدوية العالمية، مما أدى إلى توقف بعض الشركات عن التعامل معها، وتشير التقارير إلى أن ديون الهيئة وصلت إلى 15 مليار جنيه، ولم يتم سداد سوى 10 مليارات منها، مما أثر سلبًا على استيراد الأدوية الحيوية.
الحكومة تساهم في الأزمة من خلال سياسات احتكارية
يتهم خبراء حكومة السيسي بتعميق الأزمة من خلال سياسات احتكارية تهدف إلى توسيع نطاق صيدليات الإسعاف التابعة لها، والتي باتت تهيمن على سوق الأدوية، ما يضعف من دور الصيدليات الخاصة ويحد من توفر الأدوية في السوق المفتوح.

