عقدت جامعة الدول العربية اجتماعًا في القاهرة الأسبوع الماضي، حيث رفضت رسميًا مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإخلاء سكان غزة قسريًا.
وحضر القمة حلفاء رئيسيون لواشنطن، مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، ليشكل ذلك رفضًا واضحًا لرؤية ترامب لتحويل غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط". ولكن هذا المخطط، القائم على تهجير واسع النطاق، لا يمكن تنفيذه حتى بعد حرب إبادة استمرت خمسة عشر شهرًا شنتها إسرائيل دون تحقيق أهدافها. كما أن نجاحه يعتمد على تعاون الدول العربية المجاورة، التي تعتبر ترحيل الفلسطينيين تهديدًا مباشرًا لاستقرارها.
تصريح ترامب أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية. فربما يعتقد أن الفلسطينيين قد هُزموا بالكامل، وأن الدول العربية ضعيفة لدرجة أنها لن تستطيع التصدي لهذا المخطط. وربما يكون هذا التصريح محاولة لكسب ود الممولين الصهاينة الذين دعموا حملته بمئات الملايين من الدولارات، كما فعلت المليارديرة مريم أديلسون عندما منحته 100 مليون دولار مقابل دعمه لسياسات إسرائيل المتطرفة، وهو ما فعله سابقًا عند اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لكن كثيرين يرون أن هذا المقترح عبثي نظرًا لسوابق ترامب الغريبة، مثل محاولته شراء جرينلاند من الدنمارك، أو ضم كندا كولاية أمريكية جديدة، أو الضغط على بنما للتخلي عن قناة بنما. ورغم ذلك، لم يكتفِ ترامب بالتصريح حول غزة بل ضاعف من تأكيده عليه لاحقًا.
هناك أيضًا من يعتقد أن إعلان ترامب، الذي جاء أثناء زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، كان يهدف إلى إفشال جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي للحصول على الضوء الأخضر لاستئناف الحرب على غزة. ورغم دعوات ترامب لنتنياهو بـ"إنهاء المهمة"، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها رغم أكثر من عام من الحرب العنيفة. ويُقال إن ترامب لا يريد أن يرث حربًا لا جدوى منها تعطل أجندته السياسية المحلية والدولية.
ربما يكون ترامب قد استخدم تكتيكًا تفاوضيًا مألوفًا لديه، يبدأ بموقف متطرف لإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات. وبما أن إسرائيل لم تحقق شيئًا بالحرب، فقد سعى ترامب لتحقيق ذلك بالضغط السياسي. فإسرائيل فشلت في تحرير أسراها دون الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ولم تتمكن من القضاء على حماس أو إزاحتها عن الحكم. ومع طول أمد الحرب، تكبدت خسائر فادحة وأُجبرت على قبول اتفاقية تشمل مطالب حماس.
يتألف الاتفاق، الذي بدأ تطبيقه في يناير، من ثلاث مراحل، تشمل إطلاق سراح الأسرى من الجانبين، ووقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل، وإيصال مساعدات إنسانية ضخمة، إلى جانب خطة لإعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات. ولكن نتنياهو يواجه ضغوطًا هائلة بين رغبة ترامب في تهدئة الوضع، وضغط اليمين المتطرف في حكومته الذي يريد استمرار الحرب.
حاول ترامب إنقاذ نتنياهو عبر الضغط على الدول العربية، خصوصًا مصر والأردن، لقبول تهجير الفلسطينيين، لكنه واجه رفضًا حاسمًا. فمصر ترى أن ترحيل سكان غزة إلى سيناء سيشكل تهديدًا أمنيًا واجتماعيًا، فيما يخشى الأردن من أن يكون ذلك مقدمة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مما قد يهدد استقرار المملكة.
وفي رد استراتيجي، اجتمع قادة الدول العربية، دون مشاركة السلطة الفلسطينية، للاتفاق على خطة بديلة. وبعد اجتماع رسمي لجامعة الدول العربية، صدر بيان يرفض خطة التهجير، ويدعو لتنفيذ الاتفاق القائم بما يشمل انسحاب القوات الإسرائيلية ورفع الحصار وإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة.
الخطة العربية تقترح تشكيل هيئة تكنوقراطية لإدارة غزة مؤقتًا تحت إشراف السلطة الفلسطينية، على أن تتلقى قواتها تدريبًا من مصر والأردن قبل تسلُّم زمام الأمن في القطاع. أما مسألة نزع سلاح المقاومة، فقد تم تناولها بعبارات غامضة تدعو إلى توحيد السلاح تحت سلطة واحدة، وهو ما يعني فعليًا إنهاء المقاومة.
كما دعت الخطة إلى نشر قوات حفظ سلام دولية في غزة، وهو ما رفضته حماس والفصائل الأخرى، مؤكدين أنهم سيعتبرون أي قوات أجنبية قوات احتلال. ولكن أبرز ما جاء في الاقتراح العربي هو خطة تفصيلية من 91 صفحة لإعادة إعمار غزة على ثلاث مراحل تمتد لخمس سنوات، بتكلفة تُقدَّر بـ53 مليار دولار، مع التركيز أولًا على تأمين مأوى مؤقت للنازحين ثم تطوير البنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمرافق الحيوية.
على الساحة السياسية، تدرك الدول العربية أن ترامب يسعى لإتمام صفقات اقتصادية وسياسية لصالحه، وقد تلجأ إلى تقديم مغريات أخرى مثل اتفاقيات تجارية أو حتى حديث عن تطبيع مشروط، مقابل التراجع عن خطته في غزة. بالمقابل، تعتقد الحكومة الإسرائيلية أن وجود إدارة أمريكية داعمة بهذا الشكل يشكل فرصة تاريخية لتحقيق أهدافها القصوى، من طرد الفلسطينيين إلى القضاء على المقاومة، وفرض هيمنتها الإقليمية.
لكن في النهاية، إذا أصر نتنياهو وحلفاؤه على المضي في هذا المشروع، فسيتعين عليهم إقناع ترامب بجعل هذه الحرب أولوية له، وهو أمر غير مضمون. فترامب لديه أجندة داخلية ضخمة، ويرى أن "الدولة العميقة" في بلاده تعرقل خططه.
وإذا لجأ إلى القوة، فسيواجه مقاومة شرسة ليس فقط من أعداء أمريكا التقليديين، بل حتى من حلفائه العرب الذين يدركون أن مشروعه يهدد استقرارهم.
ستجد إدارة ترامب، كما وجدت الإدارات السابقة، أن محاولات فرض واقع جديد بالقوة في المنطقة محكوم عليها بالفشل. وكما علّمنا فن الصفقة، لا شيء يزعج ترامب أكثر من الشعور بالخسارة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/arab-regimes-reject-trump-gaza-takeover-proposal-why