سجل العجز التجاري السلعي المصري بالعام الماضي 49.85 مليار دولار، كفرق بين قيمة الصادرات البالغة 44.8 مليار دولار والواردات البالغة 94.7 مليار دولار، بزيادة 8.2 مليارات دولار عن العجز بالعام الأسبق، وهو ما يعد الرقم الأكبر للعجز التجاري بالسنوات الست الماضية، رغم جهود تنشيط الصادرات وترشيد الواردات.
وكان العجز التجاري قد حقق رقمه القياسي تاريخيا عام 2018 حين بلغ 51.2 مليار دولار، ثم تذبذب أداؤه بالسنوات التالية حتى حقق رقمه القياسي الثاني بالعام الماضي، وتعود أهمية ذلك العجز الي أنه يؤثر بالسلب على كافة الموازين الفرعية الأخرى داخل الميزان الكلي للمدفوعات، حيث يبتلع العجز السلعي الفائض بالتجارة الخدمية وكذلك تحويلات العاملين بالخارج، بحيث يحقق ميزان المعاملات الجارية عجزا مستمرا بالسنوات الماضية.
ومن هنا يضغط العجز التجاري السلعي على الموارد الدولارية المتاحة، مما يتسبب في التدهور المتكرر لسعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وهي المشكلة المرشحة للتكرار بالفترة المقبلة رغم ما يتم الحصول عليه من قروض أجنبية ومن أموال ساخنة، وبما يشير الي أن مشكلة تدهور سعر صرف الجنيه المصري لن تجد حلا إلا بحل مشكلة العجز التجاري السلعي.
لكن تلك المشكلة عميقة وممتدة، ففي إطار الرصد التاريخي لها فقد كانت مصر تحقق فائضا تجاريا بالفترة من عام 1884 حتى 1901، ثم دخلت البلاد بالعجز التجاري لمدة ست سنوات لتعود للفائض التجاري من 1909 حتى 1939، عام نشوب الحرب العالمية الثانية مع تحقيق عجز ببعض تلك السنوات العشرين، ومن 1940 أصبح العجز هو المهيمن مع استثنائين عامي 1969 و1973، ومنذ عام 1974 وحتى العام الماضي ظل العجز هو السائد لمدة خمسين عاما متصلا ليحتفل العجز بيوبيله الذهبي.
ويتركز العجز التجاري في التجارة مع كبار الدول الموردة لمصر، ففي العام الماضي كانت أكبر قيمة للعجز مع الصين 15.2 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الصادرات لها 394 مليون دولار والواردات منها 15.5 مليار دولار، ومع روسيا بقيمة 5.4 مليارات دولار والولايات المتحدة 5.3 مليارات دولار، والسعودية 4.6 مليارات وألمانيا 3.4 مليارات والبرازيل 3.3 مليارات والهند 2.7 مليار، واسرائيل 2.6 مليار بسبب كبر كميات الغاز الطبيعي المستوردة منها، و2.4 مليار دولار مع أوكرانيا.
كما تضم قائمة كبار دول العجز التجاري المصري: كوريا الجنوبية وفرنسا واليابان والكويت وبلجيكا وفنلندا، والبحرين وسلطنة عمان والأرجنتين وبلغاريا وانجلترا واستراليا وسنغافورة وتايوان، وتمتد المشكلة لتدني نسبة تغطية الصادرات المصرية لتلك الدول الي قيمة الواردات منها، ما يعني توقع استمرار المشكلة في السنوات المقبلة، حيث بلغت نسبة الصادرات المصرية للصين 2.5 % من قيمة الواردات منها.
وكانت نسبة التغطية مع أوكرانيا 3 % بصادرات لها قيمتها 75 مليون دولار مقابل واردات منها قيمتها 2.449 مليار دولار، ومع نيوزيلندا 3.5 % وتايوان 4 % وسنغافورة 4.6 %، والأرجنتين 6 % بصادرات 29 مليونا مقابل واردات منها 490 مليون دولار، ونفس النسبة مع كوريا الجنوبية بصادرات 84 مليونا مقابل واردات منها 1.4 مليار دولار، وهكذا بلغت نسبة التغطية 6 % مع فنلندا و8 % مع اليابان، وأقل من 10 % مع إسرائيل بصادرات لها 284 مليون دولار وواردات منها 2.9 مليار دولار.
و10 % مع روسيا بصادرات 607 ملايين مقابل واردات 6 مليارات دولار، و13 % مع البحرين بصادرات 77.5 مليونا مقابل واردات 584 مليون دولار، و16 % مع الهند بصادرات 517 مليونا مقابل واردات 3.3 مليارات دولار، و20 % مع البرازيل و22.5 % مع ألمانيا، و29 % مع كل من سلطنة عُمان والكويت والمجر و30 % مع الولايات المتحدة.
وبالعام الماضي بلغت نسبة تغطية مجموع الصادرات المصرية، الي مجموع الواردات 47.4 % مقابل 50.5 % بالعام الأسبق، إلا أنها أفضل مما كانت عليه عام 2016 حين بلغ معدل التغطية 31.5 %، وأفضل مما كانت عليه عام 1998 حين بلغت نسبة التغطية 19.4 %، وبالسنوات الخمس والعشرين الأخيرة كانت أعلي نسبة للتغطية عام 2006 حين بلغت 66.6 %.
وبالاستناد الي خريطة التبادل التجاري المصري مع العالم بالسنوات الخمس عشرة الأخيرة وفق بيانات جهاز الإحصاء الحكومي، فقد استمرت مصر بتحقيق عجز تجاري بلا انقطاع بتلك السنوات مع كل من: الصين والولايات المتحدة وألمانيا وروسيا والبرازيل وأوكرانيا وفرنسا وانجلترا، وفرنسا وبلجيكا والأرجنتين واليابان واستراليا ومن الدول العربية السعودية والكويت.
وهناك دول هيمن العجز علي التجارة معها مثل إيطاليا وسويسرا ورومانيا التي شهدت عجزا معها طوال 14 عاما متصلا ليتحول لفائض بالعام الماضي فقط، وهيمن العجز علي التجارة مع هولندا وكوريا الجنوبية عدا عام 2022، ومع الهند عدا عام 2011 ومع تركيا عدا الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتحولت التجارة مع اليونان لتحقيق فائض مصري بالسنوات الخمس الأخيرة، وشهد العديد من الدول تقلبا ما بين العجز والفائض منها الإمارات وقطر وإسبانيا والعراق وكندا وجنوب أفريقيا، وقل عدد الدول التي حققت مصر معها فائضا مستمرا بالسنوات الخمس عشرة الأخيرة، والتي انحصرت بدول عربية أبرزها : لبنان والأردن والسودان والمغرب وليبيا وسوريا.
وبالعام الماضي كانت أعلي الدول التي حققت مصر معها فائضا تجاريا: ليبيا بقيمة 1.894 مليار دولار، والمغرب 987 مليونا والجزائر 973 والإمارات 574 والسودان 574 مليونا والعراق 532 وسلوفينيا 531 مليونا، ولبنان 525 واليونان 515 والأردن 496، وفلسطين 460 وتونس322 واليمن 299 وسوريا 277 مليون دولار.
وتتضح جسامة مشكلة العجز التجاري وتوقعات استمرارها من خلال رصد الميزان التجاري لبعض السلع الرئيسية، حيث بلغت نسبة تغطية الصادرات الي الواردات بسيارات الركوب 1 % فقط، بتصدير بقيمة 28 مليون دولار مقابل استيراد سيارات بقيمة 2.9 مليار دولار، ونسبة 6 % للغاز الطبيعي بتصدير 314 مليونا مقابل 4.9 مليارات دولار، ونسبة 13 % لتغطية الأدوية والمحضرات الصيدلية بتصدير بلغ 447 مليونا وواردات 3.4 مليارات دولار.
وكانت نسبة التغطية بمنتجات الألبان 31 %، وبالسلع الغذائية 41 % وبالسلع الزراعية 46 %، مع استيراد قمح بقيمة 4.4 مليارات وذرة 2.3 مليار وفول صويا بملياري دولار.
وفيما يخص مستلزمات الصناعة المحلية فقد بلغت نسبة التغطية لمستلزمات الصناعة الأولية 21 %، وبالسلع الرأسمالية أي الآلات والمعدات عدا وسائل النقل 8 %، وبقطع الغيار وأجزاء وسائل النقل 32 %.
ربما يقول البعض إن واقع الحال يتطلب تناول التطورات بالنسبة للقضية الفلسطينية، لكن العجز التجاري السلعي المهيمن على الكثير من الدول العربية مثل المغرب والأردن وسوريا والسودان واليمن ولبنان يجعل يد صاحب القرار مغلولة في اتخاذ الموقف السياسي المناسب، حتى بدول الفوائض المالية في ظل الحروب التجارية وقرارات حظر الصادرات للحبوب والسلع الغذائية من جانب بعض الدول المنتجة الرئيسية.
___________________________________
*خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق