يشهد سوق الذهب في مصر تحولات جذرية في ظل الارتفاع الكبير في أسعاره، مما دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل أرخص تلبي حاجتهم للمظهر الاجتماعي والرفاهية دون أن تثقل كاهلهم ماديًا.
في هذا السياق، انتعش سوق الذهب الصيني، أو المشغولات المطلية التي تحاكي الذهب الحقيقي، ليصبح ظاهرة اجتماعية واقتصادية بارزة تستحق التحليل والتقصي.
الذهب يحلق بعيدًا عن متناول المواطن العادي
قفزت أسعار الذهب في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصل سعر جرام الذهب عيار 24 حاجز 4811 جنيها، فيما بلغ سعر جرام الذهب عيار 21 نحو 4210 جنيه.
هذه الزيادة الكبيرة أثرت على حركة البيع والشراء، حيث بات اقتناء الذهب الحقيقي مقتصرًا على طبقة معينة من المجتمع، في حين اضطر الكثيرون إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة.
في جولة بأسواق الصاغة، أكد تجار الذهب أن السوق يعاني من ركود ملحوظ. ويقول أحمد عبد الجليل، صاحب محل ذهب، إن العملاء يأتون للاستفسار عن الأسعار ثم يتراجعون فور معرفة التكلفة المرتفعة، مفضلين البحث عن بدائل مثل الذهب الصيني.
رواج الذهب الصيني كبديل اقتصادي
على الجانب الآخر، ازدهر سوق الذهب الصيني، الذي يتراوح سعر القطعة الواحدة منه بين 100 و2000 جنيه بغض النظر عن وزنها.
وأكد محمود إبراهيم، صاحب أحد أكبر متاجر الذهب الصيني، أن المبيعات زادت بنسبة 40% خلال الفترة الأخيرة، خاصة في المناسبات والأعياد.
وأضاف إبراهيم أن الذهب الصيني يتم تصنيعه بتقنيات حديثة، حيث تعتمد الورش على خامة "الستانلس" المطلية بطبقات ذهبية، مما يمنح المشغولات عمرًا أطول ومظهرًا أكثر جاذبية.
وأشار إلى أن العملاء لم يعودوا يهتمون بالخامة بقدر اهتمامهم بالمظهر الخارجي.
تأثير الذهب الصيني على سوق المجوهرات التقليدي
بينما يرى تجار الذهب التقليدي أن الذهب الصيني يمثل تهديدًا لصناعتهم، يرى بعضهم أنه مجرد بديل مؤقت فرضته الظروف الاقتصادية.
ويقول محمد عزت، صاحب ورشة تصنيع ذهب، إن السوق تأثر بشكل كبير، مما دفع الصناع إلى تصميم مشغولات ذهبية بأوزان أخف مثل الخواتم الرقيقة والسلاسل الرفيعة، وأيضًا استخدام أعيرة أقل مثل عيار 14 و16 بدلاً من عيار 18 و21.
من ناحية أخرى، ترى الحاجة أمينة الصايغ، التي تمتلك متجرًا للمصوغات الذهبية وأخرى للذهب الصيني، أن الجمع بين العنصرين هو الحل الأمثل لمواكبة احتياجات السوق.
وتقول: "هناك فئة لا تزال متمسكة بالذهب الحقيقي لقيمته الاستثمارية، وأخرى تبحث عن البدائل بسبب الضغوط الاقتصادية".
الذهب بين القيمة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية
رغم أن الذهب الصيني يقدم حلاً اقتصاديًا، إلا أن قيمته الاجتماعية لا تزال موضع جدل.
وتوضح سعاد محمود، ربة منزل، أن ارتداء الذهب في المجتمع المصري ليس مجرد مظهر، بل هو رمز للرفاهية والمكانة الاجتماعية.
وتضيف: "الذهب الصيني قد يكون مناسبًا للاستخدام اليومي، لكنه لا يمكن أن يحل محل الذهب الحقيقي في المناسبات الرسمية مثل الخطوبة والزفاف".
أما هبة عبد الحميد، موظفة حكومية، فتشير إلى أن الذهب الصيني أصبح ضرورة فرضتها الظروف الاقتصادية، قائلة: "لا يمكنني شراء ذهب حقيقي بأسعار تفوق 4000 جنيه للجرام، لكن يمكنني اقتناء طقم إكسسوارات مطلية بنفس المظهر بأقل من ربع التكلفة".
أسباب ارتفاع أسعار الذهب وتأثيره على المستقبل
يعود الارتفاع المستمر في أسعار الذهب إلى عدة عوامل، أبرزها:
- التغيرات العالمية في أسواق المعادن الثمينة.
- التضخم والتوترات الاقتصادية.
- تقلبات سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار.
ويقول الدكتور علاء حسب الله، الخبير الاقتصادي، إن ارتفاع أسعار الذهب عالميًا والمحليًا أدى إلى تحول المواطنين نحو بدائل أرخص.
لكنه يعتقد أن الذهب الحقيقي سيظل الملاذ الآمن للاستثمار، فيما يبقى الذهب الصيني مجرد حل مؤقت يفرضه الواقع الاقتصادي.
هل يتغير مفهوم الذهب في المجتمع المصري؟
تتوقع الدكتورة نهلة إبراهيم، أستاذة علم الاجتماع، أن استمرار الأزمة الاقتصادية قد يدفع المجتمع المصري إلى تقبل الذهب الصيني كبديل على نطاق أوسع، لكن هذا يعتمد على مدى استمرار ارتفاع أسعار الذهب الحقيقي.
وتضيف: "إذا واصلت الأسعار الارتفاع، فقد يصبح الذهب الصيني مقبولًا اجتماعيًا، وربما يقتصر الذهب الحقيقي على الطبقات الأكثر ثراءً فقط".