في 15 مارس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة ضربات ضد أهداف مرتبطة بجماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين)، في أكبر عملية عسكرية له في ولايته الثانية حتى الآن.
قد تكون هذه الضربات بداية لحملة عسكرية طويلة ضد الحوثيين، بعد أن أعاد ترامب تصنيف الجماعة كـ"منظمة إرهابية أجنبية" بسبب هجماتها على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر.
ووفقًا للبيت الأبيض، فإن أنشطة الحوثيين "تهدد أمن المدنيين الأمريكيين، واستقرار شركائنا الإقليميين، والتجارة البحرية العالمية".
لكن الإدارة الأمريكية تخاطر بتكرار أخطاء الماضي، حيث اعتمدت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على التدخل العسكري قصير النظر دون خطة شاملة لمعالجة الأزمة اليمنية المعقدة.
فالحرب في اليمن لن تُحسم عبر الضربات الجوية، بل ستؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع الإنساني، واستمرار النزاع، وتزايد التدخلات الأجنبية.
جذور الصراع اليمني
تأسست الجمهورية اليمنية عام 1990 بعد توحيد الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، لكنها لم تكن يومًا دولة موحدة بالكامل.
قبل اندلاع الحرب الأهلية في 2014، كان اليمن يعاني من العنف والفقر وانعدام الأمن.
برز الحوثيون في التسعينيات وخاضوا ستة حروب ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وبعد إجباره على التنحي عام 2011، استغل الحوثيون الفراغ السياسي وسيطروا على صنعاء في 2015، مما أدى إلى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية.
اليوم، يسيطر الحوثيون على معظم المناطق الشمالية، حيث يعيش ما بين 60-70% من السكان، بينما الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تسيطر على ثلثي مساحة البلاد.
تداعيات الصراع إقليميًا
يمثل اليمن موقعًا استراتيجيًا عند مضيق باب المندب، ما يتيح للحوثيين تهديد الملاحة الدولية. وقد أدى الصراع إلى تدخل السعودية والإمارات لدعم الحكومة اليمنية.
وأنفقت السعودية ما يقرب من 200 مليون دولار يوميًا في قصف شمال اليمن عام 2015، بينما دعمت الإمارات مليشيات جنوبية تسعى لاستعادة حدود ما قبل 1990، مما يعزز احتمال تقسيم البلاد.
كما استفاد الحوثيون من دعم إيران وحزب الله، وكذلك روسيا والصين، اللتين زودتا الجماعة بالمعلومات الاستخباراتية والأسلحة.
ووفقًا لتقارير غربية، قدمت موسكو للحوثيين بيانات استهداف لمهاجمة السفن الغربية، بينما زودتهم بكين بالصواريخ مقابل تجنب استهداف سفنها.
الاستراتيجية الأمريكية غير الكافية
تعتمد واشنطن على نهجين في اليمن: استهداف الجماعات التي تسمى إرهابية مثل القاعدة وداعش عبر الضربات الجوية، ودعم الحكومة اليمنية أمنيًا.
ونفذت الولايات المتحدة أكثر من 300 غارة جوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 عنصر منها، لكنها أدت أيضًا إلى مقتل 150 مدنيًا.
كما خصصت واشنطن 850 مليون دولار لدعم قوات الحكومة اليمنية، لكن هذا الدعم ارتبط بمكافحة الإرهاب وليس بتحقيق إصلاحات سياسية.
أدت إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى مزيد من التعقيدات، حيث منعت واشنطن المساعدات التي قد تصل إلى مناطقهم، مما زاد من تدهور الوضع الإنساني في بلد يعاني من نزوح 4.5 مليون شخص و18 مليونًا بحاجة إلى مساعدات.
تُظهر الحرب في اليمن تعقيدات لا يمكن حلها بالقوة العسكرية. وبينما يركز ترامب على حماية المصالح الأمريكية، فإن الصراع في اليمن مستمر في خلق تحالفات معقدة بين القوى الإقليمية والدولية، مما يجعل إنهاء الحرب أكثر صعوبة.
وكما صرح المبعوث الأممي هانز جروندبرج، فإن الحل الوحيد هو المفاوضات، لكن واشنطن حتى الآن غير منخرطة في هذا الجهد.