لطالما انتهجت إسرائيل سياسة الغموض الاستراتيجي في تعاملها مع روسيا. فحتى بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022، عندما فرضت معظم الدول الغربية عقوبات صارمة على موسكو، فضّلت إسرائيل تبنّي موقف أكثر توازناً مع استمرار العلاقات العملية مع روسيا.
بررت الحكومة الإسرائيلية هذا النهج باعتبارات أمنية عملية، خاصة في ظل الوجود العسكري الروسي الكبير في سوريا، حيث تنفّذ إسرائيل عمليات متكررة ضد أهداف إيرانية هناك. ولم يكن هذا الموقف انحيازًا أيديولوجيًا بقدر ما كان حسابًا استراتيجيًا.
روسيا وإسرائيل: علاقة معقدة رغم الخلافات
على الرغم من عدم إدانة موسكو الواضحة لهجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، واستمرارها في التعامل مع حزب الله والحوثيين، لم تغيّر إسرائيل نهجها تجاه روسيا. كما أن التصريحات المعادية للسامية التي صدرت أحيانًا عن مسؤولين روس لم تدفع إسرائيل إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا.
وبدلًا من اعتبار هذه التحديات عقبات لا يمكن تجاوزها، تعامل معها صانعو القرار في إسرائيل كمشكلات قابلة للإدارة ضمن علاقة معقدة لكنها ضرورية.
تأثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض
مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، يبدو أن هذا التوازن في العلاقة سيتطور، حيث تبدي كل من واشنطن وتل أبيب انفتاحًا متزايدًا على التعاون مع روسيا، رغم التوترات المستمرة.
تشير التقارير إلى أن إسرائيل دفعت واشنطن إلى عدم تقليص الوجود الروسي في سوريا، وذلك لمنع تركيا من تعزيز نفوذها على نظام الأسد. كما أرسل رئيس الأركان العسكري لنتنياهو، رومان جوفمان، إلى موسكو لمناقشة هذه المسألة، مما يعكس مدى جدية إسرائيل في هذه العلاقة.
البعد الإيراني في المعادلة
تحاول إسرائيل إبعاد روسيا عن إيران، لكن نجاح هذه الاستراتيجية يظل محدودًا. فعلى الرغم من التوترات بين القوات الروسية والإيرانية في سوريا، حافظ الطرفان على تحالف استراتيجي لدعم نظام الأسد.
أظهرت موسكو قدرتها على الفصل بين علاقاتها، إذ استمرت في التعاون مع إسرائيل بينما عمّقت شراكتها مع طهران ووكلائها الإقليميين. ويتجلى ذلك في دعم روسيا للحوثيين في اليمن، الذين استهدفوا إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة.
لذلك، يبقى السؤال: هل ستنجح إسرائيل في تغيير هذا الواقع عبر تعزيز التعاون مع موسكو؟ تشير السوابق إلى أن احتمالات النجاح محدودة، حيث لطالما فضّلت روسيا شراكتها مع إيران.
القلق الإسرائيلي من انسحاب أمريكي محتمل
أحد أهم الدوافع وراء سياسة إسرائيل تجاه روسيا هو مخاوفها من تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.
خلال رئاسة ترامب الأولى، حاولت واشنطن تقليص التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط، بما في ذلك خطط سحب القوات من سوريا. ومن المتوقع أن تتزايد هذه النزعة في ولايته الثانية، حيث عبّر مسؤولون في إدارته بالفعل عن تأييدهم لخفض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
روسيا كبديل استراتيجي؟
يُعد الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق عنصرًا أساسيًا لمواجهة النفوذ الإيراني، وسحب هذه القوات سيخلق فراغًا أمنيًا ستسعى طهران إلى ملئه، ما قد يشكّل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل.
في هذا السياق، ترى إسرائيل أن بقاء القوات الروسية في سوريا، رغم تعارض المصالح، قد يكون أقل ضررًا من غياب تام لقوة موازنة لإيران.
علاوة على ذلك، فإن تعزيز روسيا لعلاقاتها مع الدول العربية – مثل السعودية والإمارات، وهما من شركاء إسرائيل في اتفاقيات أبراهام – يجعل من الصعب على إسرائيل تبني موقف معادٍ لموسكو دون المخاطرة بعزل نفسها إقليميًا.
مستقبل العلاقات في عهد ترامب الثاني
من غير المتوقع أن تشهد العلاقة بين إسرائيل وروسيا تحولات جذرية خلال ولاية ترامب الثانية، لكن التفاعل بين البلدين سيزداد وفقًا للمتغيرات الإقليمية.
هناك ثلاثة استنتاجات رئيسية بشأن مستقبل هذه العلاقة:
1. ستواصل إسرائيل سياسة الفصل بين مجالات التعاون والخلاف مع روسيا، مما يتطلب مناورات دبلوماسية دقيقة.
2. ستسعى إسرائيل إلى تعزيز التعاون الأمني مع موسكو، خاصة في سوريا، رغم العلاقات الروسية المتينة مع إيران.
3. سيظل دافع إسرائيل الرئيسي هو الحدّ من المخاطر الناجمة عن تقليص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، حتى وإن كان ذلك يعني التعامل مع روسيا كشريك ضروري ولكن غير مثالي.