في شارع هادئ من شوارع مدينة دمنهور، ظهرت جدارية جرافيتي تحمل بُعدًا رمزيًا عميقًا يتجاوز مجرد فن الشارع.
في الجدارية التي رسمها الفنان الشاب محمود عنكل، يقف الطفل ياسين، ضحية الاعتداء الجنسي في مدرسة "الكرمة" الخاصة بمحافظة البحيرة، متجسدًا في هيئة "سبايدر مان" البطل الخارق، بينما تقبع صورة مصغّرة للجاني خلف القضبان.
في أعلى الجدارية عبارة أثارت تفاعلًا واسعًا: "انتصر ياسين والعجوز إلى الجحيم".
لكن هذه الرسمة التي تحولت إلى ما يشبه النصب الرمزي لضحايا العنف الجنسي، لم تكن حدثًا فنيًا عابرًا؛ بل أصبحت الشرارة التي فجّرت موجة من التفاعل الشعبي المتداخل ما بين التضامن، والمطالبة بالعدالة، والدعوة لنسيان ما حدث احترامًا لسلامة الطفل النفسية.
فن الشارع كأداة مقاومة
تُعد هذه الجدارية – رغم بساطتها – شكلًا من أشكال التعبير الشعبي عن الغضب، والانتصار للضحايا، والرفض القاطع للتواطؤ أو التبرير.
الرسام عنكل لم يكتفِ برسم ياسين كبطل خارق، بل ألبسه ثقة المنتصر، في وجه صورة المتهم المهزومة.
تحوّل الجدار إلى مساحة مناهضة للصمت، ومشهد يومي يذكر سكان المدينة بأن الجريمة لا تمر دون أثر، وأن الضحية، ولو كان طفلًا، يستطيع الوقوف من جديد.
الفنان قال في تصريحات صحفية لاحقة إن الرسمة جاءت "كمحاولة لتضميد جرح ياسين وذويه، وإيصال رسالة للمجتمع بأننا لن نصمت بعد اليوم على أي اعتداء ضد الأطفال".
المدرجات تتحدث.. جمهور دمنهور يدخل على الخط
وفي مشهد غير معتاد، اختار جمهور نادي دمنهور التعبير عن تضامنه مع ياسين من خلال "تيفو" في مباراتهم الأخيرة أمام نادي الأوليمبي.
"التيفو" – وهو رسم كبير يُرفع على المدرجات – حمل نفس الروح التي حملتها الجدارية، مجسدًا الطفل في صورة بطل شعبي، وسط تصفيق الجمهور.
وبعدها بأيام، جاءت لقطة لافتة من لاعب النادي الأهلي إمام عاشور، الذي احتفل بأحد أهدافه مرتديًا قميص "سبايدر مان"، في إشارة ضمنية إلى القضية التي تحولت إلى حديث الرأي العام، خاصة بعد صدور حكم قضائي بالسجن المؤبد على المتهم.
ما بين الاحتفاء والنسيان.. انقسام على مواقع التواصل
لكن الرسالة التي بدت ملهمة للبعض، أثارت قلقًا لدى آخرين. على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر عدد من المستخدمين عن تخوفهم من أن تُعيد هذه الجدارية فتح الجرح في ذاكرة الطفل، مطالبين بإيقاف الحديث المتواصل عن الواقعة حتى يُسمح للضحية بالتعافي.
أحد المعلقين كتب: "الولد لازم ينسى اللي حصله.. مش لازم نفضل نفكره كل لحظة.. رسمة النهاردة هي صورة بكرا في جوجل تحاصره طول حياته".
هذا الجدل أعاد فتح النقاش حول مفهوم العدالة المجتمعية وحدود الحديث عن الضحايا، خصوصًا عندما يكون الضحية قاصرًا.
المدرسة تحت النار.. اتهامات بالتواطؤ
في ظل التفاعل الشعبي، ارتفعت دعوات قوية لإغلاق مدرسة "الكرمة" الخاصة، حيث وقعت الجريمة، وأسرة الطفل اتهمت المدرسة بـ"التواطؤ أو التقصير على أقل تقدير"، فيما يطالب الأهالي بمحاسبة إدارية موسعة تشمل أطرافًا داخل المؤسسة التعليمية، مؤكدين أن العدالة لا يجب أن تكتفي بالجاني المباشر فقط.