مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يعيش الشارع المصري حالة من الغضب والقلق بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الأضاحي لعام 2025، في واحدة من أكثر الأزمات حدة في ذاكرة المصريين الحديثة، حيث تجاوز سعر الخروف الواحد حاجز 12 ألف جنيه، فيما بلغت أسعار العجول أكثر من 80 ألف جنيه، ما دفع آلاف الأسر إلى العزوف عن أداء شعيرة الأضحية.
هذا الارتفاع غير المسبوق، فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة حول الأسباب الاقتصادية المتشابكة وراء الأزمة، وتداعياتها على العادات الاجتماعية والقطاع الزراعي، وسط اتهامات للحكومة بالعجز عن ضبط الأسواق واتهامات للتجار بالمضاربة والاحتكار.
سوق يشتعل.. والأسعار تقفز إلى مستويات غير مسبوقة
تشير الأرقام الصادرة عن شعبة القصابين إلى أن سعر الكيلو القائم من الخراف المحلية تجاوز 200 جنيه، ما يرفع تكلفة الخروف متوسط الوزن إلى نحو 10 آلاف جنيه، بينما بلغ سعر الخروف كبير الحجم 12 ألف جنيه في بعض الأسواق الكبرى.
ولم تكن العجول بأحسن حال، حيث ارتفع الكيلو القائم منها إلى 185 جنيهًا، ما جعل تكلفة العجل الكامل تتجاوز حاجز الـ80 ألف جنيه.
ورغم محاولات التهدئة من جانب بعض الجهات الرسمية، تؤكد تقارير ميدانية من محافظات الوجه القبلي والدلتا أن الأسعار "خارج السيطرة"، وأن بعض التجار يفرضون زيادات إضافية تتجاوز 15% على السعر المعلن بسبب تكاليف النقل والعمالة.
المستورد أرخص.. ولكن غير كافٍ لتغطية الطلب
وبحسب تقرير حديث صادر عن شعبة القصابين، فإن هناك فجوة كبيرة بين أسعار الأضاحي المحلية وتلك المستوردة.
حيث لا تتجاوز تكلفة الخروف المستورد 7 آلاف جنيه، بينما يبلغ سعر الماعز المستورد نحو 5 آلاف فقط. لكن الكميات المتاحة لا تلبي سوى جزء يسير من الطلب، مما يحد من تأثيرها على خفض الأسعار.
حلقة الأعلاف المفرغة.. السبب الأكبر في الأزمة
بحسب د. مصطفى وهبة، رئيس شعبة القصابين، فإن تكلفة الأعلاف تلتهم 70% من مصروفات التربية، مشيرًا إلى أن أسعار الذرة والشعير ارتفعت بنحو 40% منذ مطلع العام الجاري.
كما أدى انهيار الجنيه أمام الدولار إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد بنسبة لا تقل عن 25%.
هذا الواقع الصعب دفع العديد من صغار المربين إلى الخروج من السوق، ما قلّص حجم المعروض بشكل حاد في موسم هو الأعلى طلبًا على الإطلاق.
انهيار الطلب.. والمستهلك في حالة صدمة
من محافظة أسيوط، يشير تقرير ميداني إلى تراجع مبيعات الأضاحي بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي.
ويعاني المربون من أزمة سيولة خانقة تمنعهم من شراء الأعلاف، ما اضطر الكثيرين إلى بيع قطعانهم مبكرًا لتفادي الخسائر.
في الوقت نفسه، تراجعت قدرة المستهلكين على الشراء، في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة تشمل تضخمًا خانقًا وتراجعًا في دخول الأسر.
ويقول محمد النور، أحد سكان القاهرة: “اضطررنا هذا العام لشراء نصف خروف فقط بعد أن كنا نذبح أضحية كاملة”، في شهادة تعكس التحولات العميقة في العادات الاجتماعية.
تحولات اجتماعية.. من التضحية إلى الشراكة والبدائل
بحسب تقديرات أولية، فإن نحو 45% من الأسر اتجهت إلى نظام الشراكة في الأضاحي لتقليل التكاليف، بينما لجأ 30% إلى شراء اللحوم المجمدة – رغم ارتفاع سعر الكيلو منها إلى 240 جنيهًا – كبديل اضطراري لشعيرة الأضحية.
القطاع الزراعي في خطر.. والمربون يغادرون
تظهر البيانات الرسمية تراجعًا بنسبة 18% في أعداد رؤوس الماشية خلال العام الجاري فقط، وهو ما اعتبره الخبراء مؤشرًا خطيرًا على تآكل بنية القطاع.
ويقول د. علي محمود، خبير التنمية الزراعية، إن نحو 40% من صغار المربين خرجوا من السوق، أو حولوا نشاطهم إلى قطاعات أقل تكلفة وأسرع ربحًا.
ويحذر محمود من أن استمرار هذا التراجع سيؤدي إلى أزمة غذائية مزمنة، تقوض الأمن الغذائي وتزيد من الاعتماد على الاستيراد في ظل أزمة العملة الصعبة.
نداءات للرقابة والمقاطعة.. هل تستجيب الحكومة؟
طالبت نقابة التجار الحكومة بتشكيل لجان تفتيش مشتركة من وزارتي التموين والزراعة لمواجهة الاحتكار وضبط الأسواق، بينما دعا نشطاء إلى حملة مقاطعة موسعة للتجار المتهمين بـ"التلاعب بالمواطنين واستغلال الشعيرة الدينية".
في المقابل، دافع عدد من التجار عن أنفسهم، مؤكدين أن الأسعار المرتفعة "ليست بفعل الجشع"، بل نتيجة حتمية لزيادة تكاليف النقل والعمالة بنسبة وصلت إلى 35%، إلى جانب اضطرارهم لشراء الأعلاف بالدولار من السوق السوداء.