في الوقت الذي تسعى فيه هيئة الدواء إلى تطهير السوق من الأدوية منتهية الصلاحية، تعاني شريحة كبيرة من الصيادلة من تعنت شركات التوزيع ورفضها تنفيذ القرار الرسمي القاضي بسحب تلك الأدوية، مما يضع الصيدليات في مأزق يومي ويهدد صحة المواطنين.

فعلى الرغم من مرور أكثر من 3 أشهر على بدء تنفيذ قرار هيئة الدواء القاضي بسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، لا تزال عشرات الشكاوى تتوالى من الصيادلة إلى الجهات الرسمية، على رأسها نقابة الصيادلة وشعبة أصحاب الصيدليات، تفيد برفض عدد كبير من شركات التوزيع استلام تلك الأدوية، وفرضها شروطًا تجارية غير عادلة على الصيادلة.
 

احتكار واستغلال
   يقول الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة أصحاب الصيدليات باتحاد الغرف التجارية وعضو اللجنة المختصة بسحب الأدوية المنتهية، إن الشعبة طالبت مرارًا وتكرارًا بفرض عقوبات رادعة على الشركات الممتنعة عن التنفيذ، إلا أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها، بل تتفاقم.

ويشير البدوي إلى أن شركات التوزيع تستغل موقعها كحلقة وصل حصرية بين المصانع والصيدليات، وتمارس نوعًا من "الابتزاز"، حيث تربط استلام الأدوية المنتهية بشراء الصيدلي لمستلزمات طبية بخصومات وهمية، في الوقت الذي تحصل فيه تلك الشركات على كامل قيمتها من المصنع دون خسارة.

ويتابع: "الشركات كانت تمنح خصومات تصل إلى 70% على منتجات كالمستلزمات والسرنجات، مقابل أن تستلم الأدوية المنتهية، وإن رفض الصيدلي، تمتنع عن تنفيذ القرار... هذه ممارسة احتكارية واضحة".
 

شكاوى متراكمة وتقارير قيد الإعداد
   من جانبها، أقرت هيئة الدواء بوجود تلك الشكاوى، حيث كشف مصدر أن الهيئة تلقت بالفعل عدة بلاغات رسمية من نقابة وشعبة الصيادلة، وتعمل حاليًا لجنة مختصة داخل الهيئة على إعداد تقرير شامل بتفاصيل المبادرة، تمهيدًا لعرضه على رئيس الهيئة، الدكتور علي الغمراوي.

المصدر نفسه أكد أن الهيئة تدرس مد فترة المبادرة 3 أشهر إضافية، وأن القرار الرسمي سيُعلن قبل عيد الأضحى، استجابة لمذكرة تقدمت بها شعبة الصيدليات تطالب بمد فترة سحب الأدوية بدءًا من يونيو المقبل.
 

مبادرة متعثرة منذ ولادتها
   وتعود جذور الأزمة إلى سبتمبر 2024 حين أطلقت الهيئة مبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية بالشراكة مع المصنعين والموزعين والصيدليات، لكن تنفيذها لم يبدأ فعليًا إلا بعد صدور قرار رسمي في فبراير 2025 يُلزم الشركات باستلام تلك الأدوية خلال 90 يومًا.

ورغم تخصيص الهيئة لنماذج إلكترونية تسهّل تسجيل الكميات والأصناف، إلا أن شركات التوزيع لم تتجاوب بالشكل المطلوب. وتبرر بعض الشركات تخوفها من استلام أصناف تم تصنيعها بنظام "التصنيع لدى الغير" وتوقف إنتاجها لاحقًا، ما يجعلها "حملاً لا يمكن تصريفه".
 

أرقام ومفارقات
   تشير بيانات هيئة الدواء إلى أن 22,645 صيدلية شاركت في المبادرة، وتم سحب نحو 3.4 مليون عبوة دواء منتهية الصلاحية من السوق، إضافة إلى مباشرة إجراءات سحب 1.5 مليون عبوة أخرى، لكن هذه الأرقام رغم ضخامتها لا تعكس حجم السوق الفعلي، ولا ما تبقى في الأرفف والمخازن، بحسب تأكيدات عدد من الصيادلة.
 

تجارة موازية وأدوية قاتلة
   في السياق نفسه، قال رئيس شعبة الأدوية علي عوف في تصريحات سابقة إن هناك "تجارة رائجة" بالأدوية المنتهية في السوق السوداء، وإن الأزمة الحقيقية تعود إلى تقاعس الهيئة عن إلزام المصانع بسحب منتجاتها، وهو ما يجعل الصيدلي هو الطرف الأضعف والمتضرر الأكبر.

ويتفق معه نقيب صيادلة القاهرة محمد الشيخ، مشيرًا إلى أن آخر مرة تم فيها سحب منظم وشامل للأدوية المنتهية كانت عام 2017، وأن الشركات وقتها لم تلتزم بسحب كل الأصناف، وإنما انتقت ما يناسبها ورفضت الباقي، مما أفقد الصيادلة الثقة في التزامات تلك الشركات.