بعد سنوات من العمل في المدارس الحكومية بنظام الحصة، بجهود لا تقل عن زملائهم المعينين رسميًا، يطالب آلاف المعلمين ممن تجاوزوا سن الـ45 عامًا وزارة التربية والتعليم بإنهاء ما وصفوه بـ"التمييز الإداري" ضدهم، وإقرار تعيينهم بعقود رسمية تحفظ كرامتهم وتضمن حقوقهم، بعد تجاهلهم في قرارات التعيين الأخيرة التي وضعت حدًا أقصى للسن لا يشملهم.

في بيان حمل نبرة مرارة وأمل في آنٍ واحد، ناشد هؤلاء المعلمون وزير للتعليم، محمد عبد اللطيف، بـ"رد الجميل"، بعد سنوات من العطاء، حيث أوضحوا أنهم ضحايا سياسات سابقة ألغت التكليف لكليات التربية، وتسببت في استبعادهم من مسابقات التعيين أو استنزافهم في تجارب لم تُفضِ إلى شيء.

 

سنوات من "الوعود المؤجلة"

   منذ 2014، خاض هؤلاء المعلمون تجارب متكررة في مسابقات رسمية مثل "30 ألف معلم" و"36 ألف معلم"، وخضعوا لاختبارات صارمة، بل ونجحوا فيها، لكن دون أن تُترجم هذه النجاحات إلى قرارات تعيين.

تقول رضوى أحمد، معلمة لغة عربية تبلغ من العمر 48 عامًا: "كنت ضمن الاحتياطي في مسابقة 2014، وبعدها اجتزت كل مراحل مسابقة 2019، بما فيها الاختبارات النفسية، لكن الوزارة تخلت عنا فجأة، طلبوا منا شهادات ICDL، وأكملناها، ثم اختفى كل شيء، وكأننا غير موجودين".

وتُضيف رضوى أن الوزارة لم تفتح لهم سوى باب العمل بنظام الحصة، بأجر لا يوازي جهدهم، يتأخر شهورًا حتى يصل، ولا يتجاوز 1000 جنيه شهريًا في أفضل الحالات. "نتقاضى أقل من ربع الحد الأدنى للأجور، ونعمل بدوام كامل، ونشارك في كل المهام داخل المدارس"، تقول وهي تتحدث عن الظلم المزدوج الذي يتعرض له المعلمون بالحصة: التهميش الإداري والتجاهل المالي.

 

قرار جزئي.. واستبعاد صريح
الوزارة أعلنت في مايو الماضي عن فتح باب التقديم لمسابقة جديدة لتعيين المعلمين ممن سبق لهم العمل بالحصة، ورفعت السن الأقصى للتقدم إلى 45 عامًا، كاستجابة جزئية للمطالب، لكنّ القرار استثنى فعليًا كل من تجاوز هذا السن، رغم أنهم الفئة التي تحملت العبء الأكبر لعقود، وفق تعبيرهم.

وحسب مصدر مسؤول بالإدارة المركزية لشؤون المعلمين فإن الوزارة لا تنوي الاستغناء عن هذه الفئة، لكنها أيضًا لا تفكر حاليًا في دمجهم عبر عقود رسمية، وإنما استمرار التعاون معهم بنظام الحصة فقط، وهو ما وصفه المعلمون بأنه "إبقاء على الهشاشة والاستغلال".

50 ألف معلم حصة.. بلا حقوق
تكشف وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التعليم أن عدد المعلمين بنظام الحصة يقدّر بنحو 50 ألف معلم، يتقاضى كل منهم 50 جنيهًا فقط عن كل حصة، بحد أقصى 20 حصة أسبوعيًا، ما يعني أجرًا شهريًا لا يتجاوز ألف جنيه، ورغم ذلك يتأخر الصرف، ويغيب التأمين الصحي أو أي مزايا اجتماعية.

ويقول أحد المعلمين: "نقوم بكل شيء، من الحصص إلى المناوبات وحتى أعمال الكنترول، لكننا في نظر الوزارة مجرد متعاونين، بلا صفة رسمية ولا مستقبل وظيفي واضح".

السيسي يتدخل في أزمات الشركات.. فماذا عن المعلمين؟
في أبريل الماضي، أشاد المعلمون بتدخل عبد الفتاح السيسي لحل أزمة شركة "بـ لبن"، مطالبين إياه بتكرار التجربة معهم، "فأزمتنا مزمنة ولا تتعلق بمصالح استثمارية، بل بكرامة 50 ألف معلم أفنوا عمرهم في خدمة التعليم دون مقابل يليق بهم".

بين التطوع والاستغلال
يعود تاريخ الوعود الرسمية بتقنين أوضاع معلمي الحصة إلى عام 2020، عندما وعد رضا حجازي، نائب الوزير آنذاك، بإبرام عقود مؤقتة معهم، لكن الجائحة عطّلت الإجراءات. وفي 2021، تم التعاقد معهم بنظام "التطوع بالأجر"، مقابل 20 جنيهًا للحصة. وعند تولي حجازي الوزارة لاحقًا، زادت الحصة إلى 50 جنيهًا نظريًا، لكن فعليًا – كما يؤكد المعلمون – لم يحصل معظمهم إلا على 37 جنيهًا فقط عن الحصة الواحدة، في ظل غياب رقابة أو شفافية في الصرف.

"نحن لسنا طارئين".. نداء أخير
قال المعلمون إنهم لم يكونوا يومًا طارئين على المنظومة التعليمية، بل شريانًا أساسيًا استمر في ضخ الجهد رغم كل المعوقات، واصفين إنصافهم الآن بأنه "تكريم مستحق وليس منحة"، ومؤكدين أن تجاهلهم مجددًا يعني "قتل ما تبقى من ثقة في الدولة ومؤسساتها".

 

شاهد

https://www.facebook.com/watch/?v=666868276216119