قررت إدارة الشركة إغلاق كافة مصانعها بمنطقة كوم أوشيم الصناعية في محافظة الفيوم إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد أعقاب دخول نحو ألفي عامل في إضراب شامل احتجاجًا على تأخر مستحقاتهم المالية ورفض الإدارة تطبيق الحد الأدنى للأجور، في خطوة اعتبرها عمال مصنع "سيراميكا إينوفا" (الفراعنة سابقًا) تصعيدًا عقابيًا ضدهم.
وبحسب ما أكد عاملان من داخل الشركة، فإن قرار الإغلاق جاء في أعقاب اجتماع عقده مالك الشركة محمد فوزي ونجله مساء الثلاثاء مع مسؤولي الأقسام ومديري المصانع، أسفر عن صدور القرار بشكل مفاجئ، دون إخطار رسمي مسبق للعمال.
وفي صباح اليوم التالي، فوجئ عمال الوردية الأولى بعدم تسيير حافلات الشركة المخصصة لنقلهم من أماكن إقامتهم، ليتيقنوا أن الشركة قررت إغلاق أبوابها تمامًا.
مطالب مشروعة تواجه بالقمع
وكان الإضراب الذي أطلقه العمال، قد جاء للمطالبة بصرف مستحقات متأخرة، أبرزها: مساهمة صندوق إعانات الطوارئ للعمال التابع لوزارة العمل الخاصة بشهر أبريل، إضافة إلى راتب شهر مايو، مع إقرار زيادة سنوية لا تقل عن 1200 جنيه، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، حيث لا يتجاوز متوسط الرواتب حاليًا 4 آلاف جنيه، وهو ما وصفه العمال بـ"الراتب المجمد أمام تضخم الأسعار وغلاء المعيشة".
وتوقفت كافة مصانع المجموعة، باستثناء مصنع "الملكة" المتخصص في الأدوات الصحية، نظرًا لأن عماله لا يواجهون نفس الأزمة، سواء في ما يتعلق بالأجور أو بالتأمينات الاجتماعية.
تهديدات متصاعدة وتسريحات جماعية
قرار الإغلاق المفاجئ لم يكن الأول في سلسلة من الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الشركة خلال الأشهر الماضية، ففي مايو الماضي، وجهت الإدارة إنذارات بالفصل لنحو 45 عاملًا بدعوى التغيب عن العمل رغم وجودهم في إجازة إجبارية، حصلوا خلالها فقط على الراتب الأساسي، ولم يتلقوا – حسب شهاداتهم – أي استدعاء رسمي للعودة.
أما في مارس، فقد أبلغت الإدارة 350 عاملًا، بينهم 130 من ذوي الإعاقة المشمولين بنسبة الـ5% القانونية، بمنحهم إجازة إجبارية لستة أشهر، مقابل تقاضي الأجر الأساسي فقط.
وفي سابقة أثارت استياء واسعًا، تم تسريح من رفضوا تلك الإجازة، وكانت الشركة قد سبقت هذه الخطوة بإجبار 57 عاملة – يمثلن مجمل القوة النسائية بالشركة – على الخروج في إجازة مماثلة، قبل أن تضع الإدارة قائمة بـ300 اسم آخر تمهيدًا لتسريحهم.
إضرابات متكررة وتجاهل مزمن
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحتج فيها عمال "إينوفا" على ظروفهم المعيشية المتدهورة.
ففي يناير الماضي، أضرب العمال عن العمل بسبب تأخر صرف راتب ديسمبر، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى القديم للأجور الذي كان يبلغ 6 آلاف جنيه، وإعادة تشغيل أوتوبيسات النقل التي أوقفت الإدارة نحو 75% منها، ما كان يضطر العمال لتحمل كلفة انتقالاتهم اليومية دون بدل.
وعلى إثر بدء صرف جزء من رواتبهم المتأخرة، أنهى العمال إضرابهم في 29 يناير، لكن في اليوم التالي، بادرت الإدارة إلى منح 57 عاملة إجازة إجبارية، في ما وصفه مراقبون بأنه "إجراء انتقامي واضح".
دولة تتكفل بالأجور وشركة تعجز عن الالتزام
رغم أن الدولة، عبر صندوق إعانات الطوارئ التابع لوزارة العمل، تتحمل ثلث رواتب العمال – بقيمة 4 ملايين جنيه شهريًا – تواصل الإدارة التذرع بعجزها المالي بسبب تراكم الديون، حيث يُقدّر إجمالي الرواتب الشهرية بنحو 12 مليون جنيه، تسدد الشركة منها 8 ملايين فقط، مع تهرب دائم من تطبيق الحد الأدنى للأجور المعمول به رسميًا في البلاد.
تاريخ طويل من الاحتجاجات
تمتلك شركة "سيراميكا الفراعنة"، التي تأسست أواخر ثمانينيات القرن الماضي بمساهمة شركاء أجانب، قبل أن يستحوذ محمد فوزي على كامل أسهمها لاحقًا، تاريخًا ممتدًا من الصدامات العمالية.
فقد شهدت أولى الاحتجاجات الكبرى عام 2009، لكنها تصاعدت بشكل حاد بعد ثورة 25 يناير، مع ارتفاع سقف مطالب العمال ورفضهم للسياسات القمعية في مواقع العمل.