شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، حيث نفذت إسرائيل عدة هجمات جوية وصاروخية على مواقع إيرانية داخل الأراضي الإيرانية وخارجها، في محاولة لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني وتقويض القدرات العسكرية لطهران، ورغم هذه الهجمات، فشلت إيران في صد الضربات الإسرائيلية بشكل كامل، مما يثير تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل، والنتائج المترتبة عليه.
خلفية الصراع العسكري
بدأت المواجهات المباشرة بين إيران وإسرائيل تأخذ منحى تصاعدياً منذ أوائل العقد الماضي، مع تبادل الضربات والهجمات الاستخباراتية، مثل استهداف منشآت نووية إيرانية وتفجيرات قواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني، في أكتوبر 2024، شنت إسرائيل هجوماً على 3 مراحل استهدف نحو 20 موقعاً عسكرياً في إيران، مستخدمة أكثر من 100 طائرة، من بينها مقاتلات من طراز "إف-35"، مع استهداف قواعد لتصنيع الصواريخ ومخازن أسلحة، لكنها تجنبت المنشآت النووية والنفطية.
الأسباب الرئيسية لفشل إيران في صد الضربات
- ضعف منظومات الدفاع الجوي الإيرانية مقابل القدرات الإسرائيلية
رغم إعلان إيران تصديها للهجمات الإسرائيلية، إلا أن الهجمات ألقت أضراراً محدودة على قواعد عسكرية في محافظات طهران وخوزستان وإيلام، ويرجع ذلك إلى أن منظومات الدفاع الجوي الإيرانية لم تكن قادرة على اعتراض كافة الصواريخ والطائرات الإسرائيلية، خاصة مع استخدام إسرائيل لطائرات متطورة وصواريخ دقيقة.
بالمقابل، تمكنت إيران من اختراق منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية في هجماتها على إسرائيل، لكنها لم تصل إلى مستوى الردع الكامل.
- التخطيط الإسرائيلي الدقيق والاحترافية في تنفيذ الضربات
نفذت إسرائيل ضربات مستهدفة ودقيقة على أهداف عسكرية، محققة أهدافها دون إحداث أضرار واسعة النطاق يمكن أن تؤدي إلى تصعيد شامل، هذا التخطيط الدقيق حد من قدرة إيران على الرد بشكل فعال، حيث كانت الضربات مفاجئة ومركزة على نقاط ضعف محددة.
- التحفظ الإسرائيلي عن استهداف المنشآت النووية والنفطية
إسرائيل تجنبت استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، ربما لتجنب رد فعل إيراني مدمر أو تصعيد إقليمي واسع، هذا التحفظ أضعف من تأثير الضربات على القدرات الإيرانية الاستراتيجية، مما سمح لطهران بالاحتفاظ بجزء كبير من قوتها العسكرية.
- القيود الدولية والاقتصادية على إسرائيل وأمريكا
تكبدت إسرائيل خسائر مالية كبيرة في محاولات صد الصواريخ الإيرانية، حيث أن اعتراض 300 صاروخ في هجوم سابق كلفها مليار ونصف دولار، مما يفرض عليها حدوداً مالية وتقنية في مواجهة هجمات أكبر، كما أن الولايات المتحدة لم توفر لإسرائيل سوى بطارية دفاع جوي واحدة من أصل سبع بطاريات "ثاد" المتاحة، مما يعكس قيوداً في الدعم العسكري المباشر.
- الرد الإيراني المحدود والمتحفظ
رغم امتلاك إيران لقدرات صاروخية متقدمة، فإنها اختارت توجيه ضربات محدودة نسبياً، مثل إطلاق 180 صاروخاً باليستياً على إسرائيل في أكتوبر 2024، ما أدى إلى أضرار محدودة في قواعد عسكرية إسرائيلية، هذا الرد المتحفظ يعكس رغبة إيران في تجنب تصعيد شامل قد يؤدي إلى دمار واسع للطرفين.
تصريحات المسؤولين والسياسيين
- قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري في أكتوبر 2024: "لقد أنجزت قوات الدفاع الإسرائيلية مهمتها... إذا ارتكب النظام في إيران خطأ البدء في جولة جديدة من التصعيد، فسنكون ملزمين بالرد".
- من جانبها، أكدت إيران أن الأضرار الناتجة عن الضربات الإسرائيلية "محدودة" وأنها تحتفظ بحق الرد "المتناسب".
- رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذر من أن فشل التحرك في الوقت المناسب ضد إيران قد يؤدي إلى نتائج كارثية، مشيراً إلى تجربة التاريخ مع النازيين.
التقارير والبحوث العسكرية
بحسب تقارير بريطانية، فشلت القنابل الإسرائيلية في إصابة قلب المفاعلات النووية الإيرانية، ولم يحدث أي تسريب نووي نتيجة الضربات، كما أظهرت تحليلات عسكرية أن إيران استطاعت اختراق منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية بفضل استخدام صواريخ باليستية عالية السرعة، مما يشير إلى وجود ثغرات قاتلة في الدفاعات الإسرائيلية.
الأسباب الاقتصادية والسياسية
تكلفة الدفاعات الإسرائيلية ضد الصواريخ الإيرانية مرتفعة جداً، حيث أن اعتراض 300 صاروخ يكلف حوالي 1.5 مليار دولار، وهذا الرقم يتضاعف مع زيادة عدد الصواريخ، مما يشكل عبئاً اقتصادياً على إسرائيل.
سياسياً، تخشى إسرائيل وأمريكا من رد فعل إيراني مدمر قد يشمل حلفاء إيران في المنطقة، مما يحد من حدة الضربات الإسرائيلية.
ويتضح أن فشل إيران في صد الضربات الإسرائيلية يعود إلى ضعف منظوماتها الدفاعية الجوية مقارنة بتفوق إسرائيل التكنولوجي والتنظيمي، إلى جانب الحذر المتبادل من التصعيد الشامل، ومع ذلك، فإن إسرائيل لم تستغل كامل قدراتها في ضرب المنشآت النووية والنفطية، مما يعكس حسابات سياسية واقتصادية معقدة، كما أن الرد الإيراني المحدود يعكس استراتيجية تحوطية تهدف إلى الحفاظ على القدرات العسكرية دون الدخول في مواجهة مفتوحة قد تكون مدمرة للطرفين.
هذا الفشل المتبادل في تحقيق أهدافه العسكرية يعكس هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، ويبرز الحاجة إلى حلول سياسية دبلوماسية لتجنب تصعيد قد يؤدي إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن إيران تواجه أزمة بنيوية في منظومتها العسكرية، تتجاوز الجانب التسليحي إلى الاستراتيجية والتنسيق والقدرة الاستخباراتية، فالفشل في صد الضربات الإسرائيلية، أو الردع المسبق لها، لا يمثل فقط خللًا تكتيكيًا، بل يضع علامة استفهام على مجمل الخطاب السياسي الإيراني عن "محور المقاومة" وهيبته المفترضة.