في قلب المنطقة الصناعية بكوم أوشيم في الفيوم، وعلى وقع الهتافات المطالبة بالحقوق، يواصل أكثر من ألفي عامل بشركة "سيراميكا إينوفا" (الفراعنة سابقًا) اعتصامهم واحتجاجهم المفتوح داخل مقر الشركة، متحدّين قرار الإدارة بإغلاق المصانع ومنع دخول العمال، وسط حصار أمني كثيف وانتشار لقوات الشرطة أمام الأبواب.

 

تصعيد في مواجهة الإغلاق
منذ أكثر من أسبوع، دخل عمال إينوفا في إضراب جماعي شلّ حركة الإنتاج داخل المصنع، احتجاجًا على تأخر صرف رواتبهم لشهر مايو، وعدم حصولهم على مساهمة صندوق إعانات الطوارئ التابع لوزارة العمل عن شهر أبريل، إلى جانب مطالبهم بإقرار زيادة سنوية لا تقل عن 1200 جنيه، وتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي حدده المجلس القومي للأجور بـ7 آلاف جنيه، في حين لا يتجاوز متوسط رواتبهم الحالية 4 آلاف جنيه.

وردّت الإدارة سريعًا بقرارات تصعيدية، شملت إغلاق المصنع ومنع تشغيل سيارات نقل العمال من الفيوم والقاهرة والجيزة، مما اضطر المئات إلى القدوم على نفقتهم الخاصة باستخدام سيارات أجرة، وفق ما رواه عدد من العمال.

 

منع الدخول ووعود غير مكتملة
فوجئ العمال، صباح اليوم، بمنعهم من الدخول إلى مقر الشركة، وتم توجيههم من قبل الشرطة للدخول من بوابة أخرى على طريق القاهرة-الفيوم الصحراوي. وبعد ساعتين من الانتظار دون لقاء أي مسؤول من الإدارة، خرجوا غاضبين إلى بوابة المصنع، إلا أن قائد القوة الأمنية طلب منهم العودة إلى الداخل، مؤكدًا أن المدير الإداري محمود جمعة سيقابلهم.

وبالفعل، التقى جمعة والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي أيمن الصفتي بعدد من ممثلي العمال، وأبلغوهم بأن مالك الشركة، محمد فوزي، تواصل مع محافظ الفيوم، الذي أجرى بدوره اتصالًا بوزير العمل محمد جبران، ووعد الأخير بصرف دعم صندوق الطوارئ عن شهر أبريل ابتداءً من الغد، إلى جانب بدء صرف رواتب مايو "على شرائح".

لكن فيما يخص مطالب الزيادة السنوية وتطبيق الحد الأدنى للأجور، أكدت الإدارة رفض صاحب الشركة القاطع مناقشة هذا المطلب، وطالبت العمال بالعودة فورًا للعمل.

 

تهديد بالتصعيد.. والمهلة تنتهي الثلاثاء
هذا الرد لم يرضِ العمال، الذين منحوا الإدارة مهلة حتى الثلاثاء المقبل، للاستجابة الكاملة لمطالبهم، ملوّحين بالدخول في اعتصام مفتوح حال عدم تحققها، في وقت يتواصل فيه التضييق الأمني والتهديدات غير المباشرة.

ولا تعد هذه الاحتجاجات الأولى من نوعها في "إينوفا". إذ سبقتها إضرابات عديدة أبرزها في يناير الماضي، حين طالب العمال بصرف راتب ديسمبر، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وعودة أوتوبيسات نقل العمال التي أوقفتها الإدارة بنسبة 75%، ما دفع العمال حينها لتحمّل تكاليف الانتقال دون صرف بدل مادي.

وبعد استئناف صرف جزء من الراتب المتأخر، قرر العمال تعليق الإضراب، إلا أن الإدارة سرعان ما ردّت بإجبار 57 عاملة على الدخول في إجازة إجبارية من 4 إلى 6 أشهر مقابل الراتب الأساسي فقط.

 

فصل وتهديدات بالجملة
في مايو الماضي، تلقت 45 عاملة إنذارات بالفصل بعد اتهامهن بعدم الاستجابة لاستدعاءات العمل، رغم نفيهن تلقي أي إخطار رسمي. وفي مارس، قررت الشركة منح 350 عاملًا، بينهم 130 من ذوي الإعاقة، إجازة مؤقتة لستة أشهر مقابل الراتب الأساسي، وسرّحت من رفضوا ذلك، وكانت أجبرت في وقت سابق 57 عاملة، هنّ كل النساء العاملات بالشركة، على الخروج بإجازة طويلة.

 

شركة بماضٍ من الأزمات
تأسست شركة "سيراميكا الفراعنة" في أواخر الثمانينيات على يد رجل الأعمال محمد فوزي، وضمّت شركاء أجانب في بداياتها قبل أن يستحوذ فوزي لاحقًا على كامل الأسهم. وعلى مدار السنوات، عُرفت الشركة بسجلّ طويل من الإضرابات العمالية منذ عام 2009، تصاعد بشكل خاص بعد ثورة 25 يناير، في ظل شكاوى مستمرة من تأخر الرواتب وسوء ظروف العمل وتكرار قرارات التسريح الجماعي.

 

صندوق الطوارئ لا يكفي
ومنذ يناير الماضي، تتولى وزارة العمل عبر صندوق إعانات الطوارئ للعمال تغطية ثلث الرواتب، بواقع نحو 4 ملايين جنيه شهريًا، بينما يفترض أن تسدد الشركة باقي الأجور المقدّرة بـ8 ملايين جنيه، لكنها تدّعي عدم قدرتها على الوفاء بتلك الالتزامات نتيجة تراكم الديون وتراجع الإيرادات.