في عمق 90 متراً تحت جبال محافظة قُم الإيرانية، تقبع منشأة "فوردو" النووية، التي تعتبرها إسرائيل "الجائزة الكبرى" في معركتها المفتوحة مع طهران. وبينما تواصل إسرائيل عدوانها على إيران منذ فجر الجمعة الماضي، لا تزال عيون صناع القرار في تل أبيب معلّقة على هدف واحد: تدمير منشأة فوردو، المعروفة بتحصينها الأسطوري.

لكن الوصول إلى "فوردو" ليس مجرد غارة جوية، بل يتطلب سلاحاً لا تمتلكه إسرائيل: القنبلة الأميركية الخارقة للتحصينات من طراز "GBU-57"، التي توصف بأنها الوحيدة القادرة على تدمير المنشآت العميقة مثل تلك المخفية في جبال إيران.

 

ترامب والقنبلة: لعبة النفوذ أم نذير حرب؟

قال مسؤول أميركي رفيع لموقع "أكسيوس" إن الرئيس الأميركي السابق، والمرشح الحالي للبيت الأبيض، دونالد ترامب، يعتبر القنبلة الخارقة للتحصينات "ورقة ضغط استراتيجية" ضد إيران. وأضاف: "ترامب يفكر بعقلية الصفقات... وهذه القنبلة هي النفوذ".

الحديث لا يدور فقط عن قنبلة، بل عن قاذفة "B-2" الأميركية، المعروفة باسم "الشبح"، الوحيدة القادرة على حمل هذا النوع من الذخائر. إسرائيل، رغم امتلاكها لترسانة ضخمة، لا تملك لا القنبلة ولا القاذفة، وتبقى رهينة القرار الأميركي.

 

"فوردو" قلب الصراع النووي

بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، لا يملك العالم حالياً سوى سلاح واحد قادر على تنفيذ المهمة: "Massive Ordnance Penetrator" أو "GBU-57"، بوزن 30 ألف رطل (نحو 13.6 طن). وتم تطوير هذه القنبلة خصيصاً للوصول إلى أهداف شديدة التحصين مثل فوردو وكوريا الشمالية.

يقول بريت ماكغورك، الذي خدم تحت أربعة رؤساء أميركيين، إن فوردو "كانت دائماً جوهر المسألة... إذا خرجت إسرائيل من التصعيد مع إيران بينما لا تزال فوردو تعمل، فلن يكون ذلك نصراً استراتيجياً".

 

القنابل الخارقة: من جبال أفغانستان إلى قلب إيران

ظهرت الحاجة إلى هذا النوع من القنابل للمرة الأولى في حرب الخليج 1991، عندما واجه التحالف صعوبة في تدمير المخابئ العراقية المدفونة عميقاً. ومنذ ذلك الحين، طورت الولايات المتحدة ترسانة من القنابل القادرة على اختراق عشرات الأقدام من الخرسانة والفولاذ قبل أن تنفجر.

وتستخدم هذه القنابل غلافاً من الفولاذ فائق القوة، محشواً بـ650 رطلاً من مادة التريتونال، خليط "TNT" مع مسحوق الألمنيوم، مما يضاعف القوة التفجيرية بنسبة 18% مقارنة بـ"TNT" التقليدي. وتوجه القنبلة بالليزر لتضرب نقطة محددة بدقة، ثم تنفجر بعد اختراق أقصى عمق ممكن.

 

"GBU-57": السلاح الأميركي السري الذي يطلبه نتنياهو

رغم أن ترامب ألمح أكثر من مرة إلى مسؤوليته عن تطوير هذه القنبلة، إلا أن الوثائق الرسمية تؤكد أن العمل عليها بدأ في عهد جورج بوش الابن عام 2004. وقد أُضيفت لاحقاً إلى الترسانة الأميركية بعد اختبارها في عهد ترامب.

ووفق "نيويورك تايمز"، فإن نتنياهو ضغط مراراً خلال السنوات الماضية من أجل حصول إسرائيل على القنبلة أو القاذفة، دون جدوى. لكن الملف لا يزال يُطرح باستمرار في محادثات ترامب مع القادة الإسرائيليين، ويُقال إن الردود غالباً ما تكون مراوغة.

 

هجوم متسلسل وليس ضربة واحدة

كشفت الصحيفة أن الجيش الأميركي توصّل بعد تدريبات متقدمة إلى استنتاج بأن قنبلة واحدة لا تكفي لتدمير منشأة فوردو، بل يجب أن يتم الهجوم في موجات متتالية، بحيث تطلق طائرات "B-2" قنابل متعددة على نفس الحفرة بهدف اختراق طبقات الجبل تدريجياً.

وفي يونيو/حزيران الماضي، رُصدت قاذفة "B-1" الأميركية فوق صحراء موهافي، حاملة قنبلة يُعتقد أنها "GBU-57"، ما فُسر على أنه رسالة تحذير مبطنة.

 

القرار المؤجل: هل تضرب أميركا إيران؟

في ظل التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، يبقى موقف واشنطن هو الحاسم. فترامب، وإن بدا متحمساً لتوظيف السلاح كورقة ضغط، لا يظهر نية صريحة لاستخدامه فعلياً. وفي الوقت ذاته، تُظهر إدارة بايدن الحالية تردداً واضحاً حيال التصعيد، وتدفع باتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات.

ومع أن تقارير إسرائيلية ذكرت استخدام الجيش الإسرائيلي قنابل خارقة تزن طناً واحداً في عمليات سابقة، كتلك التي استهدفت مواقع في بيروت العام الماضي، إلا أن "GBU-57" تمثل مستوى مختلفاً كلياً من التدمير.

 

بين الدبلوماسية والتصعيد: مفترق طرق نووي

في المحصلة، يتقاطع الصراع الحالي عند منشأة "فوردو" بين الرغبة الإسرائيلية في تدمير البنية النووية الإيرانية، والحسابات الأميركية المعقدة بشأن التداعيات الإقليمية والدولية لأي ضربة مباشرة.

تبقى القنبلة الخارقة للتحصينات، التي وصفها أحد المسؤولين الأميركيين بأنها "نقطة التحول"، رمزاً للتردد الأميركي وسقف القوة الإسرائيلية. وحتى إشعار آخر، تظل فوردو عصيّة على الاختراق، ما لم يقرر البيت الأبيض العكس.