تناولت شاهيرة أمين في تحليل نشره المجلس الأطلسي خلفيات وتداعيات رفض السلطات المصرية السماح لقوافل النشطاء الدوليين بعبور أراضيها نحو معبر رفح في إطار "المسيرة العالمية إلى غزة". رغم أن المبادرة تنسجم مع الموقف العلني لمصر من الحرب على غزة، فضّلت القاهرة التعامل معها بمنطق أمني صارم.
في 10 يونيو، انطلقت قافلة تضم أكثر من 1500 ناشط من تونس نحو ليبيا في طريقها لغزة. هدفت القافلة للضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن القطاع وتسليط الضوء على الكارثة الإنسانية هناك. لكن في الأيام التالية، منعت مصر عشرات النشطاء، من بينهم جزائريون وفرنسيون، من دخول أراضيها، ورحّلتهم رغم حصولهم على تأشيرات. كذلك تعرّض آخرون لهجوم قرب نقطة تفتيش في الإسماعيلية أثناء انتظارهم الإذن بالتوجه إلى العريش، وهي منطقة تعتبرها السلطات منطقة عسكرية وتتطلب تصاريح أمنية مسبقة.
مبادرة دولية واسعة النطاق
شارك في تنظيم المسيرة تحالفات حقوقية من أكثر من 50 دولة، من بينها "قافلة الصمود" المغاربية المدعومة من نقابات ومنظمات حقوقية تونسية. سلكت القافلة الطريق الساحلي عبر ليبيا في اتجاه معبر السلوم المصري، ومنها إلى العريش، حيث خُطط لاعتصام بين 15 و19 يونيو قرب معبر رفح.
لكن السلطات المصرية رفضت التنسيق رغم اتصالات مسبقة بين منظمي القافلة والسفارة المصرية في تونس. ولم تتلق القافلة أي رد رسمي على خطاب طلب الدعم الذي وجهته للقاهرة.
لماذا ترفض مصر المبادرة؟
تخشى القاهرة من إغضاب تل أبيب، التي عبّرت عبر وزير دفاعها عن رفضها التام لأي حشود شعبية قرب معبر رفح، وحثت مصر على منعها. كما تخشى مصر من تداعيات داخلية، إذ قد يُلهم وجود النشطاء الأجانب احتجاجات شعبية في الداخل، خاصة في ظل الغضب الشعبي تجاه الحرب على غزة. تخشى السلطات من أن تتحول المسيرات إلى احتجاجات ضد الحكومة نفسها، في وقت يواجه فيه المصريون أزمة اقتصادية خانقة.
لذا، كثفت القاهرة إجراءاتها الأمنية، ومنعت الوصول إلى سيناء دون تصاريح مسبقة. وأجازت فقط مظاهرة صغيرة أمام نقابة الصحفيين في القاهرة في 12 يونيو، إما كـ "صمام أمان" لتنفيس الغضب، أو لاختبار المزاج الشعبي.
اتهامات وتحريض إعلامي
في الإعلام الموالي للنظام، وصِفت القافلة بأنها "مؤامرة" تهدف لإحراج مصر وتنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين، واتهم بعضهم منظمات إسلامية بتنظيم القافلة. وانتشرت مقاطع فيديو لمشاركين في القافلة وهم يهاجمون الرئيس المصري لرفضه السماح لهم بالمرور.
قال اللواء سمير فرج إن بعض النشطاء دخلوا بتأشيرات سياحية دون أن يعلنوا نيتهم التوجه لغزة، معتبرًا أن الوضع الأمني الداخلي لا يحتمل مغامرات من هذا النوع. وقال إن التنسيق المسبق كان ضروريًا، وإن القاهرة لا تستطيع المجازفة بـ"أمنها القومي".
ليبيا تُغلق الطريق أيضًا
لم يقتصر المنع على مصر، بل تدخلت قوات اللواء خليفة حفتر، المدعومة من القاهرة، ومنعت القافلة من التقدم في مدينة سرت، وقطعت عنها الاتصالات. وتلقت الحملة رفضًا أيضًا من بنغازي، ما أجبرها على التراجع والعودة إلى تونس في 17 يونيو.
حملة دولية متعثرة
مثلما اعترضت إسرائيل "أسطول مادلين" المتجه لغزة واحتجزت ثمانية من المشاركين، انتهت محاولة "المسيرة العالمية إلى غزة" بالإخفاق. ومع ذلك، تشير المحاولتان إلى تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لكسر الحصار، الذي وصفه مسؤول أممي بأنه حول غزة إلى "أكثر أماكن العالم جوعًا".
يبقى السؤال: هل تستجيب إسرائيل لهذا الضغط؟ الإجابة ستعتمد على مواقف الدول المجاورة، وخصوصًا مصر، التي اختارت حتى الآن مقاربة "الأمن أولًا"، ولو على حساب الحراك الحقوقي العالمي.
كما قالت الكاتبة على لسان اللواء فرج: "أمن مصر فوق كل اعتبار".
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/egypt-cairo-march-to-gaza/