في ظل تدهور الثقة المجتمعية في المنظومة التعليمية، أعلنت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب العسكري المصري عن استمرار "التدابير الأمنية والإدارية" لضمان نزاهة امتحانات الثانوية العامة 2025، لكن رغم هذا الإعلان، تصاعدت الانتقادات التي ترى في هذه الإجراءات محاولات سطحية للتغطية على فشل ممنهج، وبيئة تعليمية تغيب عنها الشفافية، وتخضع لإدارة يطعن كثيرون في شرعيتها وكفاءتها.
تدوير رؤساء اللجان إصلاح إداري أم تكرار للفشل؟
أبرز ما جاء في إعلان الوزارة، بقيادة الوزير الجديد المزور السيد "محمد عبد اللطيف"، هو "تدوير رؤساء لجان الامتحانات ومراقبيها"، بهدف منع التواطؤ المحلي والغش الجماعي، وذلك عبر نقل المشرفين إلى لجان في محافظات أخرى لا تربطهم بها صلات.
هذه السياسة تأتي ضمن سلسلة تدابير تشمل مراقبة مشددة، استخدام تكنولوجيا حديثة، وتدريب مكثف للمراقبين على كيفية التعامل مع محاولات الغش.
ورغم أن الوزارة وصفت هذا الإجراء بأنه "ضروري لحماية نزاهة الامتحانات"، إلا أن خبراء يرونه مجرد إعادة إنتاج لفكرة أمنية أكثر من كونها إصلاحًا تربويًا.
تقول د. منى خطاب، الباحثة في السياسات التعليمية بجامعة برلين: "تدوير اللجان يعالج الأعراض وليس المرض، التعليم في مصر يعاني من نظام رقابي هش، وضعف رواتب، وضغط نفسي على الطلاب يدفعهم للغش كحل نجاة".
أرقام تكشف واقعًا قاتمًا
بلغ عدد الطلاب المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة هذا العام حوالي 783 ألف طالب، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
وتشير تقارير الوزارة إلى ضبط 2,356 حالة غش إلكتروني خلال امتحانات 2024، وهو ما يسلّط الضوء على ثغرات مستمرة رغم استخدام أجهزة تشويش وكاميرات مراقبة.
صفحات الغش، وعلى رأسها "شاومينج بيغشش ثانوية عامة"، عادت هذا العام رغم تأكيدات الحكومة بإغلاقها، ما يثير تساؤلات عن مدى فعالية الجهات الرقابية، ويعزو خبراء استمرار الغش إلى فساد بيئة الامتحانات وانهيار الثقة في عدالة التصحيح.
يؤكد الأكاديمي د. حسام العدل من جامعة المنوفية أن "تغيير الوزير لا يعني تغيير المنظومة، التعليم ما زال يُدار بعقلية أمنية، والقرارات تأتي من خارج المؤسسة التعليمية نفسها".
اللافت أن الوزير الجديد لم يقدّم حتى الآن رؤية شاملة للإصلاح، واكتفى بتكرار ما وصفه نشطاء بـ"لغة البيانات المكررة" عن الانضباط ومكافحة الغش.
الأزمة أعمق من اللجان
في تقرير لـ"المركز المصري للحق في التعليم" صدر في مايو 2025، جاء أن 69 % من أولياء الأمور لا يثقون في عدالة تصحيح الثانوية العامة، بينما 78 % من الطلاب يؤمنون بأن النجاح مرتبط بالقدرة على الغش أو الدروس الخصوصية، لا بالتحصيل.
التقرير أشار أيضًا إلى أن هناك تزايدًا في "اللامساواة الجغرافية" بين طلاب الأقاليم وطلاب المدن الكبرى، من حيث فرص الغش، وقوة الرقابة، والقدرة على الوصول للدروس الخارجية.
هل تنجح حكومة السيسي في السيطرة على الفساد التعليمي؟
نظام الانقلاب المصري يعلن سنويًا عن خطط لمكافحة الغش وضبط الامتحانات، لكن الوقائع على الأرض تعكس ضعف التنفيذ، ويقول الناشط التعليمي عمرو عز العرب إن "الدولة تتعامل مع الغش كملف أمني، وليس كعرض لأزمة شاملة في العدالة التعليمية، والمناهج، والضغط النفسي، وسوء توزيع الموارد".
فشل الحكومة في ضبط الامتحانات يعود إلى بنية سلطوية فاسدة، تُغيب الرقابة البرلمانية، وتحجب المعلومات، وتعيّن المسؤولين بناءً على الولاء لا الكفاءة.
خلاصة المشهد
بين تدوير رؤساء اللجان، وتشديد الرقابة الإلكترونية، وتكرار الوعود الرسمية، لا يزال التعليم في مصر حبيسًا لدوامة من الفشل البنيوي، ما يجري في امتحانات الثانوية العامة ليس مجرد مشكلة موسمية، بل تجسيد لأزمة نظام انقلابي فاشل يعجز عن بناء ثقة أو تطوير منهج.
وفي ظل إدارة تتعامل مع التعليم كخدمة أمنية لا كمشروع وطني، فإن نزاهة الامتحانات تبقى حلمًا مؤجلًا، يُواجهه جيل كامل بإحباط متراكم، وأسئلة مصيرية عن المستقبل.