كشفت الحرب التي استمرت 12 يومًا ضد إيران هشاشة غير مسبوقة في البنية الأمنية الإسرائيلية، رغم أنها بدت في ظاهرها عرضًا للقوة المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة. لأول مرة في التاريخ، تشن إسرائيل حربًا شاملة على دولة لا تحدها جغرافيًا، وتقع على بُعد أكثر من 1500 كيلومتر. ولأول مرة أيضًا، تنخرط الولايات المتحدة علنًا في القتال إلى جانب إسرائيل بشكل مباشر وعلني.

الحدث لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة عقود من التحالف والتدريب المشترك والتنسيق، غير أن المشهد الذي ظهر لم يعكس قوة مهيبة، بل كشف عن هشاشة، واعتماد مفرط على الدعم الغربي، وخاصة الأميركي. هذه التبعية، التي طالما غُلّفت بالخطاب الدبلوماسي، باتت اليوم مكشوفة تمامًا.

منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل على دعم الغرب سياسيًا وعسكريًا وماليًا، لكن ظلت تخوض معاركها بنفسها، باستثناء العدوان الثلاثي عام 1956. التحوّل الجذري جاء حين أصبح الدعم الأميركي ليس فقط ماليًا وتسليحيًا، بل مشاركًا فعليًا في الحرب. لم تعد إسرائيل فقط مدعومة، بل باتت ذراعًا عسكرية مشتركة لواشنطن في الشرق الأوسط.

تاريخيًا، رفضت الإدارات الأميركية السابقة الانخراط المباشر في حروب إسرائيل. حتى في 1991، حين استهدفت صواريخ صدام حسين تل أبيب، منع الرئيس بوش الأب إسرائيل من الردّ لتجنّب انهيار التحالف العربي ضد العراق. لكن هذه المرة، لم تكتف واشنطن بالتأييد، بل شاركت فعليًا في القصف، تنفيذًا لسيناريو تم التدرب عليه مسبقًا لمحاكاة هجوم على منشآت إيرانية.

منذ 7 أكتوبر 2023، شنّت إسرائيل حرب إبادة على غزة، ووسّعت هجماتها لتشمل لبنان وسوريا، ثم دفعت المنطقة بأكملها نحو هاوية الحرب الشاملة. حاولت إظهار نفسها كقوة لا تُقهر، لكن ردّ إيران السريع نسف هذه الصورة. لم تستطع إسرائيل الصمود بمفردها، فلجأت فورًا إلى واشنطن، التي استجابت بلا تردّد. لم يعد هناك حاجة للتستر، فالحرب باتت أميركية-إسرائيلية علنية.

تبيّن أن هذه التبعية لها ثمن: السيادة نفسها. بعد إعلان وقف إطلاق النار، حاولت إسرائيل مواصلة القصف، لكن الطائرات أُمرت بالعودة، وقوبل نتنياهو بإهانة علنية من الرئيس الأميركي. حتى الهدنة فرضتها واشنطن، ولم يكن لإسرائيل الكلمة العليا.

المفارقة الكبرى أن هذا المشهد، الذي يُفترض أنه يعكس القوة، كشف عن ضعف عميق. إسرائيل، التي تتغذى على منطق القوة، زادت المقاومة التي تحاول سحقها ترسّخًا. غزة المحاصرة، والمجوّعة، والمدمرة، لا تزال تقاوم. بعد إعلان الهدنة مع إيران، قُتل سبعة جنود إسرائيليين في غزة، لتؤكّد المقاومة استمرارها.

مقارنة بما جرى في 1967، حيث انهارت ثلاثة جيوش عربية خلال ستة أيام، أو ما حدث في 1982 عند انسحاب منظمة التحرير من بيروت، تبدو غزة اليوم نموذجًا جديدًا للمقاومة في عصر الحروب الكاملة. الأنظمة قد تنسحب وتطبع وتقمع، لكن الشعوب لا تفعل. في الشارع العربي والإسلامي، ما زال النبض حيًّا، والشرارة مشتعلة، مهما حاولت الأنظمة فرض الصمت.

اليوم، تظهر تصدعات داخل الإمبراطورية الأميركية نفسها. الإجماع القديم حول دعم إسرائيل بدأ في التآكل. بين الديمقراطيين، بدأ الميل نحو الفلسطينيين يتزايد. داخل القاعدة الجمهورية، تظهر انقسامات حقيقية. تصريحات شخصيات مثل مارجوري تايلور غرين وستيف بانون كانت لافتة، إذ هاجموا نتنياهو واعتبروا الحرب على إيران خدعة لجرّ أميركا إلى مستنقع جديد.

انتهت الحرب بقرار من ترامب نفسه، بعد موجة من الغضب داخل قاعدته الانتخابية، رغم أن تقريرًا استخباراتيًا كشف أن الضربة لم تؤخّر البرنامج النووي الإيراني إلا بضعة أشهر.

الحرب كشفت حقيقة مهمة: إسرائيل لا تستطيع الانتصار من دون الولايات المتحدة، والولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحقيق نصر من خلال إسرائيل. هذه ليست لحظة انتصار، بل تكرار لأوهام كل إمبراطورية تصوّرت أن القوة وحدها تصنع الاستقرار.

إنها لحظة كشف لا لحظة مجد.
 

https://www.middleeasteye.net/opinion/how-iran-shattered-myth-israeli-strength