علي أبو هميلة

إعلامي مصري

 

حتى اللحظة الأخيرة قبل بدء سريان وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهيوني، كانت الصواريخ الإيرانية تزغرد فوق سماء كل الأرض المحتلة، وتوالت الانفجارات تهز الكيان ومستوطنيه من بئر السبع إلى عسقلان، ومن وسط تل أبيب إلى غلاف غزة، ومستوطنات الضفة الغربية، وإن استحوذ انفجار بئر السبع على الاهتمام الإعلامي والمتابعة، لما نتج عنه من مقتل ما لا يقل عن خمسة مستوطنين، وقيل في أخبار متفرقة إنهم وصلوا إلى 12 قتيلا. لقد أرادت إيران أن تقول إنها صاحبة الهدف النهائي، وإن صواريخها لا تزال قادرة على الوصول إلى كل الأرض المحتلة.

جاء اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية قطرية، بعد أن طلب نتنياهو، رئيس وزراء العصابة الصهيونية، التدخل الأمريكي، هذا التدخل الثاني بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الثلاث في إيران. وطلب الرئيس الأمريكي الوساطة القطرية بعد الرد الإيراني بقصف قاعدة العديد الأمريكية في قطر، ليصبح الطرفان متعادلين. إيران تقف كقوة إقليمية ولا تتردد في الرد على القوة العظمى الأولى في العالم، وتعيد لنفسها الهيبة أمام القوة الأمريكية، بعد أن أعادتها بنجاح كبير أمام غطرسة نتنياهو والكيان الصهيوني، بما أحدثته من دمار واسع في الكيان الصهيوني استمر حتى دقائق بعد سريان وقف إطلاق النار.

 

قصّ ريش إيران

رغم استمرار القصف الإيراني وثبات طهران في مواجهة العدوان الصهيوني والأمريكي عليها، فإنه يبدو أن خسائر الجمهورية الإسلامية كبيرة، بالنظر إلى الضربة الأولى التي قام بها الجيش الصهيوني صبيحة الجمعة 13 يونيو الجاري، من هجوم فقدت فيه أكثر من عشرة من علماء مشروعها النووي، ومثلهم من قادة القوات المسلحة الإيرانية، فبدت الخسارة فادحة، وما أعقب ذلك من الهجمات الأمريكية التي طالت منشآتها النووية في فوردو، ونطنز، وأصفهان، والتي تغنى بها الرئيس الأمريكي.

رغم هذه الضربة، التي قد يكون من نتائجها التأثير في المشروع النووي الإيراني، فإن هناك تقارير كثيرة، أهمها من المخابرات الأمريكية، تقول إن التهويل الترامبي غير حقيقي، وإن نتائج الهجوم الأمريكي ليست بالحجم الذي صوّره الرئيس الأمريكي، وربما أكد ذلك علماء في هيئة الطاقة النووية، وإن التأثير سيكون فقط على المدة الزمنية التي تستغرقها إيران في الحصول على السلاح النووي. لقد تم قص الجناح النووي الإيراني، لكنه قادر على النمو.

كشفت حرب الاثني عشر يوما أن هناك مشكلة كبيرة في سلاح الجو الإيراني، فرغم امتلاك إيران الآلاف من الصواريخ الحديثة، فإنها تعاني كثيرًا من نقص، بل انعدام الدفاعات الجوية، مما جعل أرضها مستباحة أمام الصهاينة، وتلك كارثة لدولة عريقة وعميقة تاريخيا. وكان هذا نتيجة الحصار المفروض عليها من قبل العالم الغربي لمدة أربعين عاما، وأيضا ربما كان هناك خذلان من بعض حلفائها في موضوع الدفاع الجوي.

 

حرب الجواسيس

النقطة السلبية الثالثة التي كشفتها الحرب على إيران كانت حجم الجواسيس الذين انتشروا داخل الجمهورية الإسلامية، حتى قيل إنه تم اعتقال ما يقارب 700 جاسوس حتى الآن. ورغم سلبية النقطة، فإن الحرب أيقظت القيادة السياسية والعسكرية فيها لمزيد من الجهد لتنظيف الجبهة الداخلية، والدقة في سلامتها، حتى تخوض معاركها بأمان.

رغم كل هذا، هل يمكن أن نقول إن إيران هُزمت؟ وهل من حق إيران أن تحتفل بانتصارها، وهو الاحتفال الذي حدث بالفعل؟

إيران خرجت من هذه الحرب في مساواة، ليس مع الكيان بل مع أمريكا. تتعامل معها كند لها: إذا ضربت، أضرب؛ إذا سلّمت، أمد يدي؛ إذا تفاوضت، أتفاوض. أما مع الكيان الصهيوني، فقد أرسلت إيران رسائل قوية: العين بالعين، الموقع بالموقع، الميناء بالميناء، مراكز البحوث بمراكز البحوث، منشآت مدنية مقابلها منشآت مدنية. أي أن هناك قوة إقليمية كبيرة لا بد من وضعها في الحسبان، بل إن إيران كسرت أوهام نتنياهو في إعادة تشكيل المنطقة كما يهوى، وإن كان السبق لأبطال طوفان الأقصى.

 

ضربات في قلب الكيان

استباحت الصواريخ الإيرانية سماء الأرض المحتلة طوال فترة الحرب، وأصابت بالدمار مناطق واسعة، حتى قيل إن ثلث تل أبيب قد أصابه الدمار. انتهت أسطورة الأمان داخل الكيان الصهيوني، ورغم أن الكيان يدعي مقتل 28 مستوطنا فقط في تلك الحرب، وإصابات بلغت 3000، فإن هناك ما لا يقل عن عشرات من المشردين الذين أصبحوا بلا مأوى.

فقد الكيان السيطرة التامة على سماء الأرض المحتلة، وتوالى فشل القبة الحديدية، وما ساندها من قوات دفاع جوي أمريكي وغربي، حتى إن الصواريخ الإيرانية أصابت الكثير من المنشآت الشديدة الحساسية في الكيان. وقد كان صاروخ واحد يلاعب كل الدفاعات الصهيونية والأمريكية ويصل إلى هدفه. وأصبحت كل مناطق الاحتلال عرضة للقصف، بل إن بعضها كانت الدفاعات تنفجر في أماكن منه. أثبتت إيران أن هذا الكيان اللقيط هشّ، وأن بالإمكان هزيمته وتدميره، وأن الصورة الذهنية عن قوته غير حقيقية.

وصل الرعب والهلع إلى المستوطن الصهيوني، الذي أصبح لا يشعر باستقرار في أرض وُعد فيها بالأمان والديمقراطية. ووصل الأمر -كما قال السفير الأمريكي- “عشنا 12 يوما في الملاجئ”، أما المستوطنون، فقد حمل عشرات الآلاف منهم أمتعتهم وهربوا إلى قبرص عن طريق البحر، وإلى مصر والأردن عن طريق المعابر. وتقدّم خمسون عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي بطلب لترحيل 700 ألف من اليهود الأمريكيين من الأرض المحتلة.

 

الاقتصاد الصهيوني ينهار

تعرض الاقتصاد الصهيوني إلى هزّات عنيفة، بل إن تكلفة التصدي للصواريخ الإيرانية بلغت مليار دولار، فضلًا عن إغلاق المئات من الشركات، وما أصاب ممتلكات المستوطنين من أضرار قُدّرت بمبالغ كبيرة. وكذلك تم تدمير مؤسسات، أهمها مراكز بحثية يُقال إنها تعرضت لخسارة كبيرة، وميناء حيفا، ومطار بن غوريون، واللد، وكثير من المنازل، حتى إن الغرف المحصّنة دُمّرت. وفي اللحظات الأخيرة قبل سريان اتفاق وقف إطلاق النار، قُتل أربعة مستوطنين كانوا في غرفة محصنة.

تلك بعض الضربات التي أصابت الكيان في حرب الـ12 يوما. فهل تراها بسيطة أو خسائر يمكن تعويضها؟ فإن كان الاقتصاد يمكن تعويضه، وستفتح خزائن الولايات المتحدة وأوروبا لإعادة إعمار تل أبيب والأرض المحتلة، فإن ما لا يمكن تعويضه هو هؤلاء الذين فروا من “إسرائيل”، والذين سيفرون بعد إعادة فتح المجال الجوي، واهتزاز يقينهم بأنهم في أمان.

 

من الذي انتصر؟

انتهت معركة بين إيران والكيان الصهيوني، لها حساباتها الخاصة لدى الطرفين. إيران دخلت دفاعًا عن الدولة الإيرانية وضد استهدافها، وحققت نجاحًا بالنسبة لها، ولم يكن مطلوبًا منها أكثر مما فعلت، في كشف شعوب وأنظمة، ونخب وعلماء عاجزين عن دعم المقاومة الفلسطينية. كانت إيران تدافع عن نفسها، ولكنها أظهرت القدرة على تدمير الكيان وزواله إذا حضرت الإرادة.

إيران تحارب عن قضيتها، لا قضية العرب، وانتصرت لنفسها على عدونا، وأصابت هذا العدو في نقاط كشف بعضها طوفان الأقصى، ولكن إيران عرّتها تمامًا. الكيان الصهيوني لن يستطيع أن يعالج خساراته في حرب إيران، كما لن يستطيع أن يلملم ما حدث ويحدث له في غزة، حتى لو طال عمره سنوات. وأقول الآن إن تلك السنوات لن تطول، في ظل الخسائر الكبيرة في غزة، وفي قلوب المستوطنين، وجنود جيش الاحتلال، ومع تزايد ضربات المقاومة.

وإنا لمنتصرون.