في إعلان رآه كثير من المواطنين مجرد بروباغندا إعلامية، صرّح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يونيو 2025 عن بدء تشغيل مصنع BSH الألماني للأجهزة المنزلية بمدينة العاشر من رمضان، المشروع، الذي يأتي في إطار ما وصفه النظام بـ"استراتيجية توطين الصناعة"، وعد بتوفير 1000 فرصة عمل مباشرة، وإنتاج 350 ألف وحدة سنويًا من أجهزة كهربائية منزلية، يُخصص نصفها للتصدير.
لكن ما إن هدأت فلاشات الكاميرات، حتى بدأ الشارع المصري يطرح السؤال الجوهري:
من يستفيد فعلًا من هذه المشاريع؟
وأين المواطن البسيط من كل هذا "الإنجاز" الإعلامي؟
ولماذا لا يشعر الشباب العاطل بأي انعكاس لهذه المصانع على حياتهم؟
ما هو مشروع BSH؟ ومن يقف خلفه؟
شركة BSH Hausgeräte GmbH الألمانية تُعد من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تصنيع الأجهزة المنزلية، وتمتلك علامات تجارية مثل Bosch وSiemens وGaggenau.
المشروع في مصر هو ثمرة تعاون بين الشركة الألمانية والحكومة المصرية، ضمن ما يسمى بـ"برنامج دعم الاستثمار الأجنبي المباشر"، وقد افتُتح المصنع على مساحة تقارب 160 ألف متر مربع، بتمويل مشترك بين مستثمرين أجانب وشركات محلية.
المصنع يتضمن خطوط إنتاج متقدمة لتصنيع الغسالات والأفران، ويهدف إلى تصدير 50 % من الإنتاج للأسواق الإفريقية والعربية، وهو ما تسوّقه الحكومة كنجاح اقتصادي واستراتيجي.
أين فرص العمل؟ المحسوبية تحكم السوق
رغم الإعلان الرسمي عن "توفير 1000 فرصة عمل"، لا توجد آلية شفافة لضمان عدالة توزيع هذه الوظائف، ووفقًا لشهادات محلية من سكان العاشر من رمضان والشرقية، فإن الوظائف "الموعودة" خُصص معظمها للمقربين من مسؤولين في المحافظات أو أصحاب علاقات داخل غرف الصناعة، وليس للمواطنين الفقراء أو خريجي التعليم الفني الباحثين عن العمل.
قال أحد الشباب الباحثين عن العمل في مقابلة محلية نشرت على فيسبوك:
"قدمت في أكثر من 20 مصنع، بما فيهم BSH، لكن ماحدش بيتصل غير اللي عنده واسطة، والوظايف بتروح لناس معينة إحنا مش منهم."
وفي ظل سيطرة سماسرة الوظائف، تباع العقود في السوق السوداء، أو تُمنح عبر ترشيحات حزبية تابعة لحزب "مستقبل وطن" المدعوم من النظام، في غياب أي رقابة حكومية نزيهة.
الفساد والوساطة
تقارير حقوقية واقتصادية تؤكد أن الفساد الإداري والوساطة في التوظيف لا تزال تعيق أي محاولة حقيقية لتقليص نسب البطالة في مصر، فبحسب تقرير الشفافية الدولية لعام 2024، احتلت مصر المرتبة 130 عالميًا في مؤشر الفساد، بينما أظهرت تقارير الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أن أكثر من 60 % من المتقدمين للوظائف العامة يُقصون لأسباب غير واضحة، منها التدخل الأمني أو غياب العلاقات الشخصية.
وفي دراسة نشرتها مؤسسة "كارنيجي للشرق الأوسط"، وُصفت منظومة التوظيف في مصر بأنها "تخضع لمنطق الولاء لا الكفاءة، والمحسوبية لا العدالة"، وهو ما يعكسه بوضوح التوظيف في مصانع القطاع الخاص المرتبط بالحكومة، مثل مصنع BSH.
أين المواطن البسيط من استراتيجية الصناعة؟
الحكومة تتحدث عن مصر كمركز إقليمي للصناعة، لكن على الأرض:
- نسبة البطالة بين الشباب (18–35 عامًا) لا تزال تتجاوز 20 % وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء.
- الحد الأدنى للأجور في كثير من مصانع العاشر من رمضان لا يتعدى 3000 جنيه شهريًا، في ظل تضخم يلتهم القدرة الشرائية.
- معظم الوظائف الفنية تتطلب خبرات مسبقة، أو شهادات لا تتوافر في فئة كبيرة من أبناء الطبقة الفقيرة الذين أُقصوا قسريًا من التعليم الجيد.
وفي ظل غياب ربط فعلي بين التعليم الفني وسوق العمل، تبقى الوظائف النوعية حكرًا على دوائر محدودة تتمتع بالامتيازات والصلات داخل النظام.
من المستفيد الحقيقي؟
إذا كانت نصف المنتجات ستُصدَّر، ومعظم الوظائف تُوزَّع عبر وسطاء، والقروض تتحملها الدولة، فالمستفيد الحقيقي ليس المواطن المصري، بل المستثمر الأجنبي والشركات الوسيطة والمقاولون المرتبطون بشبكات النفوذ.
السلطة تروّج للمصنع باعتباره جزءًا من "الجمهورية الجديدة"، بينما المواطن لم يذق من هذه الجمهورية سوى التضييق الاقتصادي، وإغلاق باب الأمل أمام حلم العمل الشريف.
تصريحات رسمية للتجميل الإعلامي فقط
في كلمته أثناء افتتاح المصنع، قال مصطفى مدبولي: "نعمل على جذب الاستثمارات لتوفير فرص عمل كريمة لشبابنا، لكن الواقع على الأرض يقول العكس: التوظيف عبر العلاقات، والوظائف المؤقتة، والأجور المتدنية، وانعدام التأمينات في كثير من المصانع.
مشاريع بلا عدالة ولا شفافية
مصنع BSH ليس استثناءً، بل نموذجًا متكررًا في عهد السيسي الانقلابي، حيث تتحول المشاريع إلى أدوات للدعاية السياسية، لا لتمكين المواطن، وعلى الرغم من مئات المشاريع المعلنة، لا يزال الشارع المصري غارقًا في البطالة والفقر، بينما تزداد فجوة الثروة بين طبقة مستفيدة من النظام، وغالبية مسحوقة لا تجد فرصة لحياة كريمة.
إن الحديث عن "350 ألف وحدة إنتاجية" لا يساوي شيئًا أمام أمة بلا عدالة توظيف، وشباب لا يجد سبيلاً سوى الهجرة أو القهر، في ظل سلطة لا ترى في المواطن إلا رقمًا لتجميل مؤشرات لا تعكس الواقع.